نساء الزهرة

 

نعم لقد وقعنا في أسر الحب وحبائله دون قيد أو شرط، تبا لهذه المناظير، أيقظت مشاعرنا نحو نساء الزهرة وفتحت أبواب الشوق على مصراعيها من حيث ندري ولا ندري، كنا نظن نحن رجال المريخ أهل الشدة والبأس والحرب والوغى أننا لن نقع في القيد والأسر حتى تبدت لنا نساء الزهرة في الحسن والإضاءة، فعقدنا العزم على زيارة الزهروات في كوكبهن والاقتران بحسنهن وجمالهن، ولم يضرنا أن نختلف عنهن في حاجاتنا وطبائعنا وأنماطنا السلوكية فلقد عشنا معهن حياة جميلة مدهشة.

يا لها من أيام ماتعة مشوبة بالفرح والسرور تلك التي قضيناها مع الزهروات، حتى جاء ذاك اليوم الذي نادى فيه المنادي منا أن اهبطوا للأرض جميعاً، فهناك تكتمل المتعة ويكتمل معها مشوار الحياة، وما إن هبطت مركباتنا على سطح الأرض ولامست أقدامنا تربها حتى انفجرت إحدى الزهراوات في نوبة بكاء غريبة وهي تصرخ بنا نحن رجال المريخ، قائلة: أيها الماكرون الكاذبون المخادعون، لقد أغويتمونا كما غوينا، فما زال مكركم بنا وكيدكم إيانا حتى أنزلتمونا هذا المنزل الموحش المقفر!

فنظر بعضنا إلى بعض من الدهشة والاستغراب كيف لها أن تتهمنا بذلك ولم تتجاوز أقدامنا بضعة أمتار من الأرض، وعندها أدركنا أنها نبشت لحرب من نوع آخر وأفشت سرًا كان مطوياً مستوراً، إنها حرب وأستار الاختلاف والمشاكل التي لا تنتهي.

لقد بقي قليل منا على عهد الولاء والالتزام وعقد الزوجية، لا لشيء إلا لأنهم يخافون من البدء من جديد، أما الجمهرة منا فلم يستطيعوا أن يكبروا في الحب ومعه.

لقد وقعنا في المشاكل رغماً عنا، كنا نظن نحن معاشر رجال المريخ أننا قادرون على حل مشاكلنا، فلدينا قدرة عالية على التركيز، وننظر للأمور والحوادث بلغة العقل والمنطق، وقد يشاركنا الزهروات هذه القوة غير أنهن يرخين الستار عن مشاعرهن وأشواقهن الغارقة في الأحلام، فتسقط حصوننا المانعة أمام استبدادهن وتسلطهن اللطيف.

آه كم نشعر بالعجز والضعف أمامهن، لم نستطع مجاراتهن في القدرة على التركيز في آن واحد على عدة أمور، وعندما لا نصل لحل المشكلة الواحدة نتلهى بأشياء أخرى حتى تنسينا إياها، إنهن قادرات على سحبنا للغرق في المشكلات لا لأجل أن نغرق معاً، ولكن حتى ننصت إليهن ونتعلم فن الاستمتاع عند حديثهن، لقد تعبنا من الإنصات المستمر ولم نصل بعد إلى حل.

الزهروات مصدر جذب غامض، يشبعن حاجاتنا العاطفية لكن ما أن تبدأ علاقة الحب بيننا حتى تطفح المشكلات على السطح وينشب الصراع والاختلاف، لقد أعطونا بلا حدود حتى أصبحنا نشعر نحن رجال المريخ كأننا أطفال في معيتهن، واليوم يطالبن بتغيير المعادلة لنكون نحن المانحين وهن المستقبلات للعطاء.

لقد وضعت نساء الزهرة للعطاء حدوداً وأوقفن عاطفة المنح بانتظار العطاء منا، ونحن حاولنا أن نقوم بتغييرات إيجابية في علاقتنا معهن لكننا في كل مرة كنا نخشى الفشل ونتردد في التغيير والعطاء والمنح، أرثي لحالهن فهن يرغبن في التلقي ولكنهن يلقين التجاهل وخيبة الأمل.

لم نعد نفهم كيف تتحدث الزهراوات ولا كيف يعبرن عن مشاعرهن، إنهن يكثرن أحاديث التعميم ويعلو صوت إحداهن على من هو أشد منا هيبة ووقارًا فلا ينبس ببنت شفة، ولقد تعاهدنا نحن رجال المريخ بأن نلوذ بالصمت والانسحاب بطريقة مهذبة حتى أصبحنا نوصي بعضنا بعضا بشعار الصمت والانسحاب، حيث الهروب خير وسيلة للدفاع، ولقد حاول أحدنا يومًا أمام إلحاح زوجته بالحديث فقال كلامًا ندم عليه وخرج به عن السيطرة.

نعم إنهن يحتجن للرعاية والاهتمام ومشاركتهن مشاعرهن ومشاكلهن ويردن أن نقلق مثلهن، لكننا نحن رجال المريخ تعاهدنا بعدم القلق والتقليل من شأن المشكلات، وقلنا لنساء الزهرة إذا أرادت إحداكن الحديث معنا فعليها أن تطرق باب خلوتنا والكهف الذي نؤوب إليه، حتى إذا سمحنا لها بالدخول فلتتلطف في السؤال وتحديد ساعة للوقت معنا.

جاءني أحد رجال المريخ يشكو زوجته قائلاً إنها تكثر النقد عندما يرتكب أي خطأ وتبالغ في تقديم النصح دون أن أطلب منها، وتشعرني أنني ضعيف أحتاج للشفقة، بل إنها أفقدتني إحساسي بالطاقة والقوة فأصبحت كسولاً غير آمن، إنني أعاني من الضغوط بشكل يومي وأحاول الهرب منها إلى الصمت، وكم قلت لها إن الوقت غير مناسب للحديث، دعينا نتحدث لاحقًا، لكنها تهتك ستار خلوتي وتجبرني على الغرق معها في مشاكلها.

قلت له يا صاحبي كلنا ذاك الرجل فلا تخش أو تجزع لذلك، إن أقصى ما عليك فعله أن تحسن فن التواصل معها وأن تكون مستمعاً جيدا لها، فإذا هاجمتك باللوم والتقريع فهي ليست غاضبة منك بل تريدك أن تشاركها مشاعرها فقط، كن أكثر توددًا لها وتسامح معها فهي تقدر ذلك كثيرًا.

هؤلاء الزهروات يلقين التهم علينا جزافاً بأننا مثل الأحزمة المطاطية تتسع لأي مقاس، كما أن لدينا قدرة على الابتعاد والاقتراب من جديد، نعم نحن كذلك، وهذا ما تقتضيه ذكوريتنا ونمطنا السلوكي الذي جبلنا عليه، وفي المقابل فإن نساء الزهرة مثل الأمواج عندما تشعر بالرضا والإشباع العاطفي ترتفع موجتها لأعلى حتى تصل الذروة وعندها يكون لديها كمية وافرة من الحب لتبذلها، وعندما يتبدل مزاجها فجأة تتكسر موجتها حتى تصل للقاع وعندها تشعر بفراغ داخلي تحتاج معه إلى أن تغمر بالحب، ففي قاع الموجة تشعر أنها عاجزة أو ضعيفة فتتكلم كثيرًا عن مشاعرها وعن حاجتها للدعم الكامل وإحاطتها بالحب والاهتمام.

كم كنا مغالين في الطلب منها أن يبقى إشعاع الحب والإشباع لديها للأبد ونسينا طبيعتها الموجية اللطيفة في الصعود والهبوط كما نحن في الابتعاد والاقتراب.

زارنا الطبيب النفسي الأمريكي جون غراي وجلس معنا ومع نساء الزهرة حينا من الدهر، ثم بدا له أن يصف المشاكل التي تحدث بيننا نتيجة اختلافاتنا الفطرية، فكتب كتابًا عنونه بوسم «الرجال من المريخ والنساء من الزهرة»، فاقتبسنا من معظمه المعنى لا اللفظ  فجاء كما رأيت.

د. عبدالإله بن إبراهيم الحيزان

hiz090@gmail.com

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA