محددات تعهيد الخدمات
تعهيد الخدمات، هو الاستعانة بمصادر خارجية للقيام بالخدمات العامة التي لا تدخل في صلب أعمال المؤسسة، وهو نهج قديم تتبعه كثير من المؤسسات في العالم سعيًا وراء التكلفة الأقل والكفاءة الأعلى في تقديم الخدمات، وهو ما يتيح لها أن تركز على الأنشطة التي تتمتع فيها بميزة جوهرية، تاركة للآخرين تزويدها بالخدمات.
وقد تطورت الرؤية مؤخرًا بحيث أصبحت توازن بين هذا النهج، وبين التعهيد الداخلي، أي الإبقاء على الخدمات لكي يقوم بها موظفو المؤسسة، وذلك حينما لا يكون هناك فائدة ذات بال منه.
وعند اتخاذ قرار تعهيد الخدمات، فإن هناك عدة محددات لذلك، أهمها رؤية الإدارة، فهي العامل الحاسم، سواء في اتخاذ القرار، أو في تصميم العقود، أو في مراقبة الأداء، فغالبا لا تقوم الإدارة بتعهيد الخدمات التي تتطلب بنية تحتية مادية محددة أو خبرة فنية خاصة، أو التي يصعب إدارتها.
وقد تقوم بتعهيد جزء من الخدمة والإبقاء على الجزء الآخر في يد المؤسسة، وذلك بغرض الحفاظ على بعض السيطرة على الخدمات، بما يضمن وجود حد أدنى للخدمة في حالة فشل عقد التعهيد.
فإذا لاحظت الإدارة جودة منخفضة أو مشاكل غير مرضية في الخدمة المقدمة من المتعهد الخارجي، فإن هذا يكون سببًا كافيًا لإنهاء التعاقد معه والتوجه بصورة أكبر نحو التعهيد الداخلي، أو قد تسمح الإدارة حينئذ باستقبال عطاءات منافسة أو تجربة بدائل أخرى.
أما المحددات التي تتحكم في مسأله تعهيد الخدمات فهي ثلاث:
الأول هو خصائص الخدمة: أي إذا كان الحصول عليها يتطلب توفر أصول معينة، أو خبرة فنية بذاتها لدى مقدم الخدمة، أو إذا كان هناك صعوبة في الحصول على الخدمة من مورد خارجي.
الثاني خصائص السوق: فالمنافسة أمر محوري عند التعاقد، ومن ثم تلجأ بعض المؤسسات الحكومية لتعهيد الخدمة بالمشاركة بين شركتين لخلق المنافسة بينهما، وكذلك لتوفير معيار للمفاضلة، وضمان التسليم الآمن للخدمة، وهو نهج يؤدي في غالب الأمر لزيادة التعهيد الخارجي على حساب الداخلي.
الثالث الاعتبارات المالية: فخفض التكاليف هو أحد الدوافع الرئيسية لتعهيد الخدمات، فإذا كانت الإدارة تواجه ضغوطًا مالية ولديها نفقات مرتفعة فمن المرجح أن تستكشف إمكانيات الاستعانة بمصادر خارجية جديدة.
هناك محدد آخر لنهج تعهيد الخدمات قد يغيب عن البعض، فقد تلجأ الإدارة إلى تقليص حجمه بسبب الآراء المعارضة لذلك، سواء من موظفي المؤسسات الذين أصابهم الضرر من جراء نهج التعهيد، باعتبارهم من ضحاياه، أو من ممثلي المواطنين في المجالس المحلية، الذين يعبرون في غالب الأمر عن رأي هؤلاء الموظفين المضارين.
فموظفو أي مؤسسة يصنفون إلى مجموعتين: مجموعة مركز الإيرادات، ومجموعة مركز التكلفة، فيحصل من ينتمون إلى مركز الإيرادات على كل الاهتمام وكل الموارد، فأعمالهم هي مصدر إيرادات المؤسسة.
أما مجموعة مركز التكلفة، كالمحاسبين والسائقين وموظفي الصيانة وعمال النظافة، الخ، فينظر إليها كشر لا بد منه، وأفرادها هم الضحايا كلما شرعت المؤسسة في نهج التعهيد من أجل خفض النفقات.
لذا يسعى الموظفون دائمًا لكي يكونوا ضمن مجموعات مراكز الإيرادات في مؤسساتهم، وربما ينجحون في الانتقال إلى الشركات التي تقدم خدمات التعهيد في تخصصاتهم، فيصبحون ضمن مجموعات مراكز الإيرادات فيها، فيحصلون حينئذ على تعويضاتهم العادلة، ويتم الاستثمار في تدريبهم، وإضفاء الاهتمام عليهم، والحرص على استبقائهم.
أ. د. جبريل بن حسن العريشي
أستاذ علم المعلومات