«التعاون البيني» قبل فوات الأوان
لعل الأوان فات فعلاً ولعله لم يفت بعد، الموضوع هو التعاون البيني بين الأقسام والوحدات والجمعيات والإدارات في الجامعة فيما يخص البرامج الأكاديمية والانفتاح العلمي والمشاركة العقلية والوجدانية، ولعل ما أثارني لكتابة هذا المقال، ما اختصره الدكتور فهد الطياش في العدد الماضي في رسالة مختصرة قوية في هذه الصحيفة، حيث أشار إلى واقع مرير وعجيب في مسألة الانكفاء على الذات والنظرة الضيقة تجاه التعاون والتشارك وكأننا في حرب ضد بعضنا البعض.
نعم هذا موجود، وأضيف أن الوضع ما كان ليحدث هكذا دون تجاهل الإدارات العليا للبحث العلمي في الجامعة! فالمفروض أن يكون التعاون هو القاعدة والمشاركة البينية للمصلحة العامة هو الأساس وليس العكس، إذ من المعروف مثلاً أن البحث النوعي هو في الحقيقة البحث الذي اشتمل على تخصصات مختلفة، أو على الأقل باحثين متنوعي التخصص أو الاهتمام، وكذا الحال في البرامج الأكاديمية المعنية أكثر بتلبية بعض متطلبات سوق العمل، بل يمتد الأمر ليشمل التنوع في أعضاء اللجان.
الوضع لدينا وصل على سبيل المثال إلى أن الغالبية الساحقة من الأساتذة في القسم الواحد لا يعلمون وربما لا يريدون أن يعلموا عما يفعله بعضهم البعض من أبحاث أو جهود أو خبرات، فأصبح المتميز مشهورًا أو معروفًا خارج الجامعة أكثر مما هو معروف داخل الجامعة، ووصل بنا الحال إلى أن الاختلاف في الرأي أو التوجه يؤدي حتمًا إلى إلغاء كل أنواع العلاقات، فآثرنا القضايا الفردية والشخصية على حساب المصلحة العامة.
ليس بالضرورة أن نختلف ولا بالضرورة أن نتفق، لكن لا يفترض أن يمنعنا هذا أو ذاك من استمرار التعاون وفتح الأذهان خصوصًا وأن المنهجية العلمية التي تعلمناها هي التي يجب أن نتبعها، لا شك أنها قضية مرتبطة بالثقافة، إنما واجب الجهات الإدارية في الجامعة أن تؤصل أولاً لمبدأ التشارك ومبدأ التعدد الفكري والاستفادة الكاملة والمتكاملة قدر الإمكان من كل موارد الجامعة بشرية كانت أم مادية.
على سبيل المثال لا يجب أن يكون خيار طرح برامج أكاديمية مرهونًا بهمة عضو هيئة تدريس أو همة رئيس قسم أو همة مجلس قسم، أو طلب جاء من خارج أسوار الجامعة، بل لابد أن تكون إدارة الجامعة في مقدمة المبادرين. طبعًا قد يقول قائل: هناك كذا وهناك كذا وتم عمل كذا..
هذه الأعذار هي مثل الأعذار التي يراد منها الرد أكثر من أي أمر آخر، أما الدليل الدامغ فهو الواقع، وهذا الواقع كلنا نعرفه، ولن يتغير مطلقًا إن لم يكن هناك سياسة واضحة حول إصلاح هذا الخلل.
كل أمر حول التطوير مرتبط بتطبيق الجودة، وكل ما تعنيه الجودة الحقيقية التي هي معنية بتحقيق إنجازات على الواقع في كل قسم، وأن يكون رئيس القسم لديه ما يدعمه من صلاحيات وقدرات ذاتية وتقييم على إنجازاته، أما وضع الجودة الحالي المتمثل في خزانة الجداول والنماذج فلا أظن شخصيًا ولا يظن غيري مطلقًا أن هذه النماذج تحقق جودة حقيقية!
أقول هذا لأن جودة القسم الحقيقية تنطلق من جودة العمل في الإدارة باختلاف مستوياتها، ففكرة أن تتبنى جهة في الجامعة موضوع التشارك والانفتاح على الآخر لتحقيق إنجاز نوعي حقيقي؛ لن تتحقق هذه الفكرة داخل هذه الجهة إذا كانت الجهة الأعلى لا ترى نفسها معنية بذلك أو لا ترى أنها أولوية أو لأي سبب آخر.
التشارك البيني إذن يعني أن هناك ديناميكية ومواكبة ومحاولة جادة تجاه تحقيق إنجاز جديد يخدم أهدافاً مطلوبة وفق خطة استراتيجية، وفي الأخير لا أستـطيع أن أختم دون سؤال متكرر: أين استراتيجية الجامعة بخصوص التشارك البيني وهل يوجد فيها شيء ملزم للأقسام الأكاديمية على وجه الخصوص؟
أ. د. علي معاضه الغامدي