Add new comment

النماذج الأولية ركيزةٌ أساسية في مشروعات الابتكار

 

 

تُعد النماذج الأولية حجر الأساس لضمان نجاح مشروعات الابتكار، حيث تشكل هذه الأدوات التجريبية جوهر عملية تطوير المنتجات، وتتيح استكشاف الأفكار الجديدة وتقييم التصاميم واختبار الوظائف بشكل مبكر في دورة حياة مشروعات الابتكار. وتُقدم النماذج الأولية، سواءً كانت مادية (ملموسة) أو تحليلية (رقمية) تعتمد على المحاكاة أو النمذجة، فرصة فريدة لتجسيد الأفكار المجردة وتحويلها إلى نماذج قابلة للتقييم والتفاعل من قبل المستخدم والمبتكر. كما تُساعد هذه العملية على تقييم قابلية تطبيق الأفكار وفعاليتها، مما يُتيح تحسينها قبل الشروع في التسويق النهائي للمنتج وإنتاجه بكميات كبيرة

النموذج الأولي (Prototype) كلمة تُستخدم في ممارسات تطوير المنتجات، ويُعرَّف على أنه تقريب أو تمثيل للمنتج النهائي على بُعد واحد أو أكثر من الأبعاد المهمة. ووفقًا لهذا التعريف فإنه يمكن اعتبار أي نموذج يعرض جانبًا واحدًا على الأقل من جوانب المنتج التي تهم فريق التطوير نموذجًا أوليًا. ويمكن تصنيف النماذج الأولية بناءً على محورين أو بعدين، حيث يمثل البعد الأول الدرجة التي يكون فيها النموذج الأولي ماديًا مقابل أن يكون تحليلي (رقمي). النماذج الأولية المادية هي عبارة عن قطع مادية ملموسة يتم إنشاؤها لتقريب المنتج. كذلك يتم تمثيل النماذج الأولية من خلال التحليل أو النمذجة الرقمية بدلًا من بنائها. ويمثل البعد الثاني الدرجة التي يكون فيها النموذج الأولي شاملًا مقابل أن يكون مركّزًا، فالنماذج الأولية الشاملة تحتوي معظم سمات المنتج إن لم يكن كلها، بينما تطبق النماذج الأولية المركزة سمة واحدة أو عدد قليل من سمات المنتج.  وبناءً على هذين البعدين يمكن تصنيف النماذج الأولية إلى أربعة أصناف وهي النماذج الأولية المادية الشاملة أو المادية المركزة أو التحليلية الشاملة أو التحليلية المركزة

هناك العديد من الفوائد والأهداف للنماذج الأولية في مشروعات الابتكار من أهمها التعلّم حيث تستخدم غالبًا للإجابة عن سؤالين أساسيين: هل هذا الابتكار أو المنتج سيعمل؟ و إلى أي مدى يلبي احتياجات العملاء؟. في هذه الحالة، تعمل النماذج كأدوات للتعلم والتحسين. وكذلك تستخدم للتواصل، فهي تعزز التواصل مع المعنيين وأعضاء الفريق والعملاء والمستثمرين وخاصة النماذج الأولية المادية/الملموسة، وهي أسهل بكثير للفهم من مجرد وصف لفظي أو رسم تخطيطي. يتم أيضًا استخدام النماذج الأولية لضمان أن مكونات وأنظمة الابتكار الفرعية تعمل معًا بالشكل المطلوب. ومن فوائد النماذج الأولية أنها تمثل نقاط التقدم خاصة في المراحل المتأخرة لإثبات أن الابتكار قد حقق المستوى المطلوب من الوظائف. وتوضح أيضًا هذه النماذج مدى التطور في نضج الابتكار، وتساعد على متابعة الجدول الزمني للمشروع. وتساعد أيضا النماذج الأولية المناسبة للابتكار في تحسين عملية تطوير المنتجات وتقليل المخاطر والتكاليف المرتبطة بها.  

النماذج الرقمية أو التحليلية بطبيعتها المرنة تقدم إمكانية تعديل معايير التصميم بسهولة، مما يجعلها أداة قيمة لاستكشاف مجموعة واسعة من التصاميم قبل الالتزام بنموذج ماديٍ محدد. هذه الخصوصية تجعلها خيارًا مثاليًا في المراحل الأولية من تطوير الابتكار، حيث يمكن تجنب التكاليف والجهد الزائد في بناء نماذج مادية قد لا تلبي الاحتياجات الفعلية للمشروع الابتكاري. من ناحية أخرى، النماذج المادية ضرورية للكشف عن الظواهر غير المتوقعة التي قد لا تظهر عبر النماذج الرقمية. فالنموذج المادي يمكن أن يكشف عيوب التصميم والمشاكل الوظيفية التي يصعب اكتشافها من خلال التحليلات الرقمية وحدها، مما يؤكد على أهمية بناء على الأقل نموذج مادي واحد خلال مرحلة تطوير الابتكار

شهدت السنوات الأخيرة ثورة في الطرق والتقنيات المستخدمة لبناء النماذج الأولية مما جعل عملية تطوير الابتكارات أكثر كفاءة وفعالية من حيث التكلفة. من بين هذه التقنيات، يبرز التصميم بمساعدة الحاسوب (CAD) والطباعة ثلاثية الأبعاد (3D Printing) كأدوات قوية  لإنشاء النماذج الأولية. إن هذه التقنيات تعزز بشكل كبير من فعالية عملية تطوير المنتجات، حيث تحسن من التواصل بين أعضاء فريق التطوير، وتقلل من الوقت والجهد اللازمين لإنشاء النماذج الأولية، وتساهم هذه التقنيات في تحسين جودة المنتج النهائي من خلال السماح بإجراء تعديلات وتحسينات دقيقة خلال مراحل التطوير المبكرة، مما يؤدي إلى منتجات أكثر ابتكارًا وتلبيةً لاحتياجات السوق.

ولتجنب التكاليف المتزايدة أثناء عملية بناء النماذج الأولية فإنه يجب اتباع خطة محددة بدقة تساعد في توجيه عملية التطوير بشكل فعال مما يضمن تحقيق الأهداف المطلوبة  دون إهدار الموارد. تبدأ الخطة بتحديد الغرض من النموذج الأولي بوضوح مما يضمن فهم ما يُراد تعلمه من النموذج، وكيف سيُستخدم لتعزيز التواصل بين المعنيين بالمشروع والمهام التي يجب أن يساعد النموذج في إنجازها وما إذا كان سيمثل نقطة تقدم مهمة في خطة المشروع. أيضًا تتضمن الخطة تحديد درجة الدقة المطلوبة من النموذج، مما يساعد في الاختيار بين الاعتماد على نموذج رقمي أو بناء نموذج مادي يعكس المنتج النهائي بشكل واقعي. ومن الخطوات المهمة، وضع خطة تجارب مفصلة تحدد المتغيرات التي سيتم اختبارها، وبروتوكول الاختبار  والقياسات التي يجب تسجيلها وكيفية تحليل النتائج لضمان جمع بيانات مفيدة من الاختبارات التي ستجرى على نموذج الابتكار. بالاضافة إلى ذلك، يجب صياغة جدول زمني يحدد متى يتوقع الحصول على الأجزاء اللازمة لبناء النموذج، وتاريخ إجراء أول اختبار، والموعد النهائي لاستكمال جميع الاختبارات وتحليل النتائج، وذلك للحفاظ على تقدم المشروع وفقًا للخطة الموضوعة. من خلال الالتزام بهذه الخطوات، يمكن للفرق تطوير نماذج أولية فعّالة تخدم أهداف المشروع مع الحفاظ على التكاليف والجهد ضمن حدود مقبولة.

تتضمن النماذج الأولية القياسية التي يتم التخطيط لها عادة في هذا السياق نموذج ألفا  (Alpha) الذي يهدف إلى التحقق من الوظائف الأساسية للمنتج، يليه نموذج بيتا (Beta) الذي يركز بشكل أكبر على موثوقية المنتج، ويساعد في التعرف على المشاكل المحتملة، وقد يتم توزيعه على عينة من العملاء لاختباره في بيئة الاستخدام الفعلي. أما نموذج ما قبل الإنتاج، فيمثل الخطوة الأخيرة قبل بدء الإنتاج الضخم حيث يتم تأكيد جاهزية عملية التصنيع بكاملها.

أخيرًا، تعد النماذج الأولية عنصرًا حيويًا في مشروعات الابتكار، حيث تلعب دورًا محوريًا في تحويل الأفكار إلى واقع ملموس، مما يسهم في تحسين عملية تطوير المنتجات وتقليل المخاطر والتكاليف المرتبطة بها. ومع التقدم في التقنيات المستخدمة لبناء النماذج الأولية، أصبح بإمكان المبتكرين الاستفادة من أدوات فعّالة وقوية تعزز من فعالية التواصل وتقلل الوقت والجهد اللازمين للتطوير، وتضمن إنتاج منتجات ذات جودة عالية تلبي توقعات السوق. بالتالي، يجب الالتزام بخطط محكمة نحو استخدام النماذج الأولية لدورها كركيزة أساسية لنجاح مشروعات الابتكار وتحقيق التميز في مجال تطوير المنتجات.

أ.د. عبدالرحمن بن مشبب الأحمري

0
No votes yet
CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA