من أين يبدأ التغيير؟
هناك بعض الاستفسارات لا يعرف إجابتها كثير ممن يعيشون على وجه هذه الأرض، رغم أن جوابها كامن ومحقق في داخلنا وذواتنا، ويبحث الكثير منا عن حل لهذه الاستفسارات التي تلوذ به.
من ذلك هل يمكن للإنسان أن يغير حياته أو ظروفه؟ هل يستطيع التغلب على المعوقات التي تعترضه؟ هل ينجح في تحويل رحلته مع التغيير إلى متعة يعيشها؟ هل وهل وهل....
بالنسبة للتغيير كلنا نستطيع تغيير حياتنا إلى ما هو أفضل، ومع ذلك نعيش حيارى، لا نفرق بين المهم والأهم، وبين الواجب والضروري، بل ربما البعض منا يقدم الكماليات على الضروريات، وبذلك يكونون كمن يضع العربة أمام الحصان.
كلنا مضطرون للعيش في هذه الأجواء، التي يختلط فيها الحق والباطل، ويكثر فيها الشر مع وجود الخير، فكيف يكون الفرد منسجماً مع نفسه ومع مبادئه التي يحملها وبنفس الوقت لا يقع في التناقض والحيرة، ويصبح ممزق الشخصية بين المثال والواقع، فما عليه إلا أن يعرف من أين يبدأ التغيير.
ليس التغيير بعيد المنال، إنما هو فينا ومعنا وفي قلوبنا، والكثير من الناس يبحث عن الآخرين ليضيفوا له بسمة عابرة، أو همة رافعة، أو ضحكة تتعارج في أفق السماء، وكل ذلك مغالطة حتمية لحقيقة التغيير، لأن التغيير إنما يبدأ من قلوبنا.
إذا لاحظنا حياتنا فهي نفسها تتغير بشكل مستمر حتى لو لم نقصد نحن تغييرها، وإذا راجعنا ما كانت عليه حياتنا منذ خمس سنوات وما نحن عليه اليوم، لوجدنا تغيراً كبيراً في أفكارنا ومعتقداتنا ورواتبنا والقائمة تطول، وهذا خير دليل على أننا قابلون للتغيير.
هناك قول مشهور لأحد الباحثين: «من الخطأ أن تعتقد أنك ولدت بشخصية معينة لا سبيل إلى تغييرها فأنت في تغيير كل يوم». والتغيير الحقيقي يبدأ من قلب الإنسان وينتهي عنده، وإذا خلقنا الإرادة القوية في قلوبنا لتغيير حياتنا من ناحية التقرب إلى الله واتباع سنة نبيه والدعوة إلى أوامرهما سنفوز في الدارين.
كثير من الناس يخطئون الطريق فيبحثون عن التغيير خارج ذواتهم، مثل قصة المزارع الذي كان يعيش في إفريقيا وكان سعيداً وراضياً بحاله، وكان مرجع سعادته هو رضاه ومرجع رضاه هو سعادته، وظل يعمل في مزرعته حتى صار عجوزاً، وذات يوم سمع أن كثيراً من الناس يبحثون عن الألماس ويجدونه ويحققون ثراء هائلاً من ورائه، وهكذا تحمس للبحث عن الألماس وباع حقله وأخذ يبحث عن الألماس، وظل يبحث ثلاث عشرة سنة حتى يئس، وأخيراً ألقى بنفسه في البحر، في ذات الوقت وجد المزارع الجديد الذي اشترى حقل ذلك العجوز، ألماسة تحت ذلك الحقل، ثم وجد ألماسة أخرى ثم ثالثة، وهكذا تبين أن تحت الحقل كان يوجد منجم ألماس.
العبرة المستقاة من هذه القصة هي أن المزارع العجوز بحث في كل مكان عن الألماس ولم يبحث تحت حقله، ولعله كان قد أبصر الألماس، ولكن الألماسة لا تبدو جميلة في البداية، إنما تبدو مثل قطعة فحم، ثم تحتاج إلى القطع والتشكيل والصقل.
لذلك علينا أن لا ننظر إلى ظروفنا ووضعنا الحالي بل ننظر داخل أنفسنا ونبحث عما نحن قادرون على تحقيقه، فكلنا يستطيع صنع أحسن الأعمال وتقديم أحسن الأفكار، ولو تصفحنا التاريخ لوجدنا أن كبار علمائنا لم يصلوا إلى ما وصلوا إليه إلا باجتهادهم في تغيير عقولهم، فكانوا مصداقاً لقول نبينا صلى الله عليه وسلم «ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب». لذلك هيا نبدأ بالتغيير من قلوبنا لإصلاح جوارحنا.
محمد صومي كريم الرشادي
خريج معهد اللغويات