وقفة أمام مسمى «سدير الإقليم» و«سدير التويم»
قديماً وأنا أقرأ في كتب التاريخ، وخاصة التواريخ النجدية كانت تمر بي عبارات وتعابير استوقفتني طويلاً، وحاولت نفض غبار الغموض عنها، ثم ما ألبث أن أمر عليها مرور الكرام على أمل الرجوع إليها، وتمحيصها من جديد، وتسليط الضوء عليها، وها قد عقدت العزم على طرح واحدة من تلك الإشكالات التي تتمثل في عطف العام على الخاص، ألا وهي إشكالية مصطلح سدير في كتب المؤرخين النجديين الأوائل.
إن الناظر في بعض تلك الكتب سيلحظ أن أولئك المؤرخين يطلقون اسم سدير في سياقين؛ الأول «سدير على الإطلاق» ويعنون به وادي سدير الذي قامت على ضفافه مدن وقرى كثيرة، أو أقليم سدير، وهذا هو الشائع إلى اليوم، ولا إشكال هنا، فهو معلوم مفهوم، ومن تلك البلدات ما يلتصق اسمها بسدير، ومن ذلك حوطة سدير، روضة سدير، عودة سدير، عشيرة سدير، جنوبية سدير.
ولا أرى من مبرر لذلك سوى تمييزها عن مسميات مشابهة في مناطق أو أقاليم أخرى، وإلا فإنها «سديرية» بموقعها على الوادي، وما ذاك إلا لوجود أكثر من حوطة، وروضة، وعودة، وعشيرة، وجنوبية، كما أن هناك في وادي سدير بلدات لا يلحق بها مسمى سدير مثل المعشبة، وجلاجل، والتويم، والحصون، والعطار، والجنيفي، وهناك بلدات ليست على وادي سدير، ولكنها تُعد من إقليم سدير مثل حرمة، والمجمعة، والخطامة، وتمير.
السياق الثاني، وهو استنتاجي الذي كتبت لأجله هذه الوقفة، وفي هذا السياق يُفهَم من كتب بعض المؤرخين الأوائل أن «سدير» إن جاءت غير مقرونة بإحدى بلدات الوادي، ولا يُقصد بها الوادي أو الإقليم صراحة، إنما يراد بها بلدة التويم العريقة لا الوادي أو الإقليم كله.
وبلدة التويم من أقدم بلدات الإقليم، وأكثرها حضوراً وقوة في التاريخ القديم الذي زامن كتابات أولئك المؤرخين، وكأنهم أطلقوا عليها اسمين كما يطلق المصريون الاسم الكبير «مصر» على مدينة القاهرة، وكما يطلق السوريون على مدينة دمشق اسم الكيان الأكبر «الشام»، وهذا من عطف العام على الخاص، أو كما جعل الكويتيون اسم العاصمة اسماً للدولة، وهذا من عطف الخاص على العام.
لا ريب أن هذا الاستنتاج مثير، ولا سيما أن الذاكرة الجمعية الراهنة تخلو تماماً من أي إرهاص من إرهاصات السياق الثاني، فالرائج المعروف أن سدير إقليم، وأن التويم بلدة عريقة مهمة من بلدات ذلك الإقليم، وليس أكثر من ذلك.
وقد عرضت أدلة استنتاجي الوارد في السياق الثاني على مؤرخين وجغرافيين ولغويين ومهتمين، فاستحسنه وأيده بعضهم، وأوّله آخرون، وثمة من أشار عليّ بطرحه على الملأ لعل أحداً من المهتمين وأهل الاختصاص يُضيف جديدًا ويُظهِر مخبوءًا.
وإليكم بعض ما استوقفني من عبارات وتعابير تؤكد أن «سدير» في تلك الحقبة ترد بصفتها إقليمًا، وبصفتها، كما أظن بلدة التويم؛ جاء في «تاريخ ابن لعبون» أن في حوادث سنة 1099هـ: «وهي تبنان على ابن جاسر، حَصْرهم في سدير». وجاء أيضاً في حوادث سنة 1100هـ: «حُصِروا آل غزي في سدير». كما جاء عند المنقور: «تم حصر آل غزي في سدير». وعند ابن لعبون في حوادث سنة 1112هـ: «حصار ابن صويط لآل غزي على سدير ثالثة». وعند ابن بشر: «حاصر ابن صويط آل غزي في سدير الحصار الثالث».
إن من غير المنطقي أن يتم حصر أسرة أو جماعة في إقليم كبير، بل إن معنى الحصر يتلاشى وينعدم إن كان بهذه الجغرافية الفسيحة، لأجل ذلك يترجح لديّ أن أولئك المؤرخين يَعنون سدير البلدة لا سدير الإقليم، سيما وأن ابن لعبون ذكر في حوادث سنة 1104هـ الآتي: «حصار آل غزي في سدير ثانيًا من آل ظفير يوم ينزلون التويم». فهنا جاء ذكر التويم مع سدير.
وجاء في «تاريخ ابن لعبون» في حوادث سنة 1105هـ ما يأتي: «حرب أهل سدير يوم الذي قتل فيه ابن سليمان آل تُميّم، وقُتل فيها محمد بن سويلم ابن تُميّم راعي الحصون».
وجاء عند ابن بشر: «وقع الحرب بين أهل سدير قُتل فيه محمد بن سويلم بن تُميّم رئيس بلد الحصون».
إن من المعلوم أن بلدة الحصون من بلدات إقليم سدير، فكيف وقعت حرب بين سدير الإقليم وإحدى بلداته؟! كما أن التاريخ لم يذكر أن حرباً غير متكافئة احتشد لها إقليم سدير ودارت على بلدة الحصون، ولو دارت حرب بهذه الصفة على بلدة الحصون لقضت عليها تمامًا، إذَنْ لا بد أن المراد بـ«سدير» سدير البلدة، لا سدير الإقليم.
أتفهم كثيراً لو جاء في كتب أولئك المؤرخين أن فلاناً سكن في سدير، أو خرج منها، أو أن خلافاً وقع بين أهل سدير، وهذا يفهم منه سدير الأقليم، ولكن ما ورد من نصوص سبق ذكرها يؤيد ما ذهبت إليه، والله أعلم.
ومهما يكن فها أنذا أطرح ما أشكلَ عليّ قديمًا، وما استنتجتُه حديثًا، آملاً أن يُناقَش إن كان فيه لبس، وإن ترجَّحَ للجهات المسؤولة والمؤرخين المعاصرين صحة استنتاجي فآمل أن يحفظ الحق التاريخي لبلدة التويم العريقة في هذه التسمية.
هذا، والله أعلى وأعلم، وهو وحده مِن وراء القصد.
عبدالعزيز بن عبدالله بن لعبون
كلية العلوم