مشكلتنا في تعلم اللغة العربية
تعتبر اللغة العربية من أهم لغات العالم الحية، والمسلم الذي يريد أن يعرف دينه وشريعته يحتاج دائما إلى هذه اللغة الجميلة، وبدونها لا يمكنه أن يرتوي من منهل الشريعة الغراء النقية. كما أنه في أمس الحاجة لتعلم هذه اللغة كي يمكنه التعامل مع العالم العربي، والمملكة العربية السعودية المحروسة لا تزال بحمد الله وتوفيقه، تسعى لخدمة الدين الإسلامي في العالم كله، وتصرف مبالغ باهظة من ميزانيتها في سبيل الدعوة إلى الله.
أكبر مشكلة يواجهها غير العرب والمقيمون في بلدان غير عربية في تعلم اللغة العربية هي أن تعلمهم منحصر في القراءة والترجمة فقط ولا تتوفر لهم فرصة للممارسة والمحادثة، حيث يقوم الطالب بحفظ القواعد وقراءة الكتب والترجمة من لغته إلى اللغة العربية، فإذا صادفته مشكلة في اللغة لم يتمكن من تطبيقها في اللغة التي يستخدمها للقراءة منذ سنوات طويلة.
هذه هي المشكلة الكبرى التي نواجهها في بلداننا، فمنا من درس اللغة العربية لمدة خمس سنوات تقريبًا، ولكنه لا يستطيع أن يتقن اللغة ولا يستطيع أن يتحدث بها بيسر رغم أنه حفظ القواعد النحوية والصرفية كلها، وذلك لعدم توفر بيئة التكلم والمحادثة والاستماع، فكلنا دائمًا ينظر إلى الجامعات الخليجية نظرة يرجو منها أن يكون مقبولاً فيها، وأن يواصل دراسته في رحابها، مع أنه قد حصل على البكالوريوس في بلاده، ولكنه يود أن يبدأ دراسته هنا من معهد اللغة العربية ثم يرقى إلى مرحلة الدراسات العليا شيئًا فشيئًا.
بينما كنت أبحث عن مقالة حول موضوع المشكلات التي يواجهها إخواننا من الهند عند تعلم اللغة العربية وجدت مقالة رائعة جيدة بعنوان «عناية الطلاب الهنود باللغة العربية» أصدرتها مجلة «صوت الأمة» في 5/حلقات من أبريل 1996م إلى أغسطس 1996م، وسررت بهذا كثيرًا، لأن كاتب هذا المقال كان والدي الكريم –حفظه الله ورعاه- عضو هيئة التدريس بالجامعة السلفية بنارس، الهند ورئيس تحرير مجلتها، فتذكرت ما نصحني به أبي أثناء تدريسه لطلابه من فوائد قيمة لتعلم اللغة العربية، ولكننا لم نكن نلقي بالاً لنصائحه، والآن أتذكرها وأندم على عدم اهتمامي بها.
الطريقة القديمة في تدريس اللغة العربية لغير الناطقين بها كانت تركز على مهارتي القراءة والكتابة وإهمال مهارتي السماع والنطق، وتهتم بالنصوص المكتوبة وتصرف النظر عن لغة الحديث، وتتعامل مع اللغة من خلال الرموز المكتوبة والقواعد الجافة، ويتم تدريس النحو من خلال حفظ القواعد وتطبيقها من خلال تمارين الترجمة، مع المبالغة في الاعتماد على اللغة الأم.
والنتيجة كانت أن الطلاب يعجزون عن التحدث عندما تواتيهم فرصة للتحدث باللغة العربية التي تعلموها، وتجدهم مترددين أو غير واثقين من النطق أو التعبير، وبالتالي ينسحبون من الموقف عند أول التحام في خجل وارتباك.
الحل الوحيد لهذه المشكلة هو أن تقوم المدارس والجامعات خارج العالم العربي باستدراك ما فات، وأن توجه أنظارها إلى السماع والتكلم والمحادثة إضافة إلى القراءة والترجمة، ولابد لها من إنشاء نظام خاص لها، وتوفير البيئة المناسبة، فإن فعلوا ذلك فعسى الله أن يأتي بجيل لا يحتاج إلى معهد اللغة العربية، بل سيكون قادرًا على التكلم والمحادثة والنطق بهذه اللغة الجميلة.
ياسر أسعد أعظمي
معهد اللغويات العربية - قسم اللغة والثقافة