سكون البذور وسكون الإبداع
تدخل البذور في طور السكون وتؤجل عملية الإنبات حتى تتوافر العوامل البيئية الملائمة، وتعتبر هذه الخاصية هامة لحفظ النوع والبقاء والاستمرارية، وتعد طبيعة البذور مختلفة فلا نستطيع تشبيه بذرة بأخرى، حيث إنه يوجد لكل نوع نباتي احتياجاته البيئية الخاصة، وأحيانًا حتى مع توفر الظروف الملائمة لا تقوى البذور الحية على الإنبات بسبب عوامل فسيولوجية داخلية، وعند تعريض البذور لمعاملات حرارية خاصة قد يؤدي ذلك إلى كسر السكون وحدوث الإنبات، وقد تفشل عملية الإنبات نتيجة وجود أي خلل في نوع المعاملات المستخدمة.
قد نستطيع تشبيه الإبداع بالبذور، حيث إنه يوجد بداخل كل إنسان مبدع صغير عند توافر الظروف والبيئة المناسبة يستطيع الخروج من طور السكون والتعبير ويظهر طاقاته الحقيقية وينتج، وبعض الأفراد حتى مع وجود البيئة المناسبة لا يستطيع أن يعبر فهو يحتاج إلى ظروف ومعاملات خاصة ودقيقة لكسر سكون الإبداع ولتحقيق الاستجابة المطلوبة لاستثمار الطاقات الإيجابية الساكنة في داخله ليعطي ويبتكر والتي قد تتدفق بغزارة بتأمين بيئة التشجيع والتقدير والاهتمام والدعم.
ونحن لا نستطيع أن نشبه اثنين من البشر ببعض، فلكل إنسان تركيب جسدي ومظهري فريد وشفرة جينية أو بصمة وراثية خاصه به، وسبحان الخالق الذي أودع أسرار الحياة في الحمض النووي «الديؤكسي رايبوز» الذي يتحكم في جميع الصفات الوراثية للكائن الحي. كما تشكل العوامل البيئية دورًا أساسيًا في تحديد سلوك وشخصية الفرد حيث يتأثر الإنسان كثيرًا بالبيئة التي ينشأ فيها فيكتسب قيمه وعاداته واستجابته للمتغيرات، فكل إنسان يتميز بصفات نفسية ومخبرية خاصة من حيث طريقة تفكيره وردات فعله فيغلب عليه جانب الخير أو الشر، وقد ينظر للأمور بإيجابية ومرونة وعفوية وانطلاق، أو سلبية وتعقيد وحساسية وغير ذلك.
ويعتبر الاختلاف بين بني البشر أمرا طبيعيا وإيجابيا، ومن الخطأ تشبيه أو محاولة مقارنة درجة استجابة إنسان بآخر، كما أن لكل شخص مفتاحاً للتحكم بأجهزة إرسال واستقبال خاصة للتعبير عن الذات والسيطرة على الصفات والطباع السيئة المكتسبة من البيئة، وإظهار شتى الفضائل الفطرية الرائعة كالضمير الحي والأداء المتقن وغيره، لذا يجب أن نعرف وندرك كيف نتعامل مع اختلاف الطبيعة البشرية والتي أُلفت فيها مئات الكتب واحتار فيها علماء النفس فما ينطبق على شخص قد لا يصح تطبيقه على آخر.
وقد يكون من أهم مسببات إحباط وقتل روح الإبداع في مهده ودخوله في مرحلة سكون أولي أو ثانوي قد يصعب التخلص منه حسب درجة الأذى النفسي الذي يتعرض له المبدع، هي التجاهل واللامبالاة وعدم الاهتمام والتي تنبع من الأنانية وحب الذات المتأصل في النفس البشرية وتقديم المصالح الخاصة التي أصبحت تسيطر على المجتمع في الوقت الراهن.
ولو نظرنا حولنا لوجدنا كثيرًا من المبدعين لم يحظوا بالفرصة المناسبة للتعبير عن أنفسهم كما يجب، مما قد يؤدي إلى اضمحلال وتلاشي الإبداع لديهم شيئًا فشيئًا، وجل ما يحتاجه المبدع من المجتمع المحيط به هو التعامل بجدية ورغبة صادقة مع أفكاره الإبداعية، وزرع الثقة في نفسه بأن ما يقدمه له قيمة إيجابية على المجتمع، وإيجاد بيئة مفعمة بالتفاؤل والتفاعل، وتوفير الإمكانات التي تسمح بخروج الإبداع من مرحلة السكون وتشجع على بقائه واستمراريته، والتعامل مع الإبداع كمتطلب أساسي لمواكبة تحديات العصر.
د. أسماء بنت عبدالكريم الحقيل
أستاذ فسيولوجيا النبات الجزيئية المشارك