يعد البكاء وسيلة للتخلص من التوترات النفسية والعصيبة التي يؤدى كبتها إلى أمراض نفسية، وقد ينتج عنها ارتفاع ضغط الدم والسكري وتقرح المعدة والقولون العصبي وغيرها من الأمراض.
والبكاء وذرف الدموع حالة وجدانية للتعبير عن المشاعر، وهي نتاج انفعالات حزينة أو مفرحة أو حالات فيزيولوجية وسيكولوجية مثل الألم والحساسية والتثاؤب وأمراض أخرى، والدموع إفرازات تقوم بتغذية وتنظيف وتعقيم وترطيب العينين وحمايتها من الجفاف والالتهابات وتحسين الرؤية.
ومن أسباب قلة الدموع التعرض للأجواء الحارة والتقدم في العمر ومشاهدة التلفاز والأجهزة الإلكترونية ونقص فيتامين «أ» والإفراط في تناول بعض الأدوية كمدرات البول ومضادات الحساسية والمهدئات والمنومات والمسكنات وأدوية الضغط وانسداد القناة الدمعية.
تفرز العينان في اليوم ما يقارب 148 - 296 مللتر من السائل الدمعي الذي يتكون من الماء والأوكسجين والأملاح والمعادن والأمونيا وفيتامينات «ب 12، ج»، إضافة إلى الأحماض الأمينية و60 نوعاً من البروتينات والدهنيات والنشويات.
كما تحتوي الدموع على «جسيمات محللة» تقتل حوالي 95% من البكتيريا وتعزز التحلل الخلوي الذاتي وتمنع حدوث العديد من الأمراض مثل السمنة والسرطان وتكبح الأمراض المعدية. كما تخلص الدموع الجسم من المواد السامة الناتجة عن الانفعالات العصبية والنفسية التي تسهم في زيادة هرمونات التوتر.
وقد أثبتت الدراسات أن الدموع تمثل نوعًا من عمليات الإخراج مثل الزفير والتبول والتعرق، كما تساعد الدموع على إفراز الأوكسيتوسين والإندورفين وبعض الهرمونات الأخرى التي تساعد على الشّعور بالرضا والاسترخاء وتخفيف الألم النفسي والجسدي.
وأشارت عدة دراسات إلى أن إفراز الدموع يحسن الحالة المزاجية بفاعلية تفوق استخدام الأدوية المضادة للاكتئاب، وبذلك يعد البكاء علاجاً نفسياً وبديلًا صحيًا لكتمان المشاعر يقي من الصداع الحاد وارتفاع ضغط الدم والسكري، وبذلك يكون البكاء من أكثر السبل أمانًا لتحرير الجسم من المشاعر السلبية وتطهيراً لنفس والجسد.
وحسب الدراسات تبكي المرأة حوالى 65 مرة في العام بينما يبكي الرجل ما يقارب 15 مرة في العام، كما أن متوسط بكاء النساء هو 4-6 دقائق بينما يبلغ لدى الرجال 2-4 دقائق، لذا تكون النساء أقل عرضة للأمراض الناجمة عن عدم البكاء من الرجال، وذلك بسبب الاختلاف الفسيولوجي والهرموني بين الجنسين.
وبذلك يكون البكاء دليلاً للصحة لا السقم إن كان معتدلاً ومعقولاً وبدواعٍ إيجابية، بينما البكاء المتواصل لأقل وأتفه الأسباب يمكن أن يكون علامة ومؤشرًا للاضطرابات النفسية والاكتئاب، لذلك علينا ألا نحرم أنفسنا من البكاء ترطيبًا للنفس وحرصًا على الصحة، ولو من وراء حجاب.
والبكاء سبعة أنواع؛ فرح وحزن وفزع ورياء ووجع وشكر وبكاء من خشية الله تعالى، وهو أصدق دموع وأقوى مترجم عن القلوب ومن الأعمال التي يحبها الله تعالى ويرضى عن العبد بها ويجزل له الأجر والثواب وينقذه من النار.
وعلى المؤمن أن يعرف فضل البكاء من خشية الله والوسائل المساعدة على حصوله أن يتجنب الأسباب التي تقسي القلب وتجمد العين، والوسائل المعينة عليه هي استشعار عظمة الله تعالى والخوف منه والتفكر في حال النفس وتقصيرها في عبادة الله تعالى وجرأتها على معصيته والتفكر في الآخرة وأهوالها والخوف من سوء الخاتمة، إضافة لقراءة القرآن الكريم وتدبر وسماع المواعظ ومعرفة أحوال البكائين من خشية الله تعالى والدعاء بأن يرزقه الله تعالى عينًا دامعة وقلبًا خاشعًا، والتعوذ من قسوة القلب وجمود العين.
قال الله تعالى: }إذا تتلى عليهم آيات الرحمان خروا سجدا وبكيا{. وقال صلى الله عليه وسلم: «عينان لا تمسهما النار، عين باتت تحرس في سبيل الله، وعين بكت من خشية الله».
أ. د. جمال الدين إبراهيم هريسة
كلية الصيدلة – جامعة الملك سعود
Add new comment