إن المتأمل فيما يدور في مجالس الناس من أحاديث وما تعج به وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي من أخبار وقصص وما فيها من غث وسمين وصحيح وسقيم، ليعجب من سلوك الكثيرين تجاهها؛ إذ يتناقل الناس في الغالب هذه الأخبار والروايات دون تمحيص ولا تدقيق.
ولو نظر كل واحد منا إلى ما يَرده من خلال الآخرين بعين فاحصة وتتبع أقاصيها وبحث عن خوافيها لوجد أن كثيراً منها غير دقيق إن لم يكن غير صحيح بالكلية؛ من هنا تأتي أهمية التبين.
والتبين هو التحقق والتثبت من الأنباء من خلال تمحيصها لمعرفة صحيحها من سقيمها قبل نشرها أو نقلها أو تبيينها للآخرين، وهو مطلب يحتاجه الفرد والمجتمع وتحث عليه الشريعة وتؤكد أهميته الوقائع والأحداث.
هذا العمل المهم هو من أهم أعمال العقل الذي كُرّم به الإنسان ليميز بين الصواب والخطأ وبين الحق والباطل، وهو من سمات الحكماء والعقلاء المتريثين الذين يتصرفون دائمًا بالحلم والأناة.
وعلى النقيض من ذلك فإن في تصديق ما لا يُعقل ونقل ما لم يثبت؛ شيء من الجهالة المذمومة والتي يترتب عليها في كثير من الأحيان عواقب غير محمودة، وقد قيل: «حدث العاقل بما لا يعقل فإن صدق فلا عقل له».
وإن كان التبين مطلوباً في كل زمان ومكان فإن أهميته تزداد في أوقات الازمات، عندما تتوالى الأخبار وتكثر ويختلط الصواب والخطأ وتسيطر التوقعات فتنتشر الشائعات، ويستغل ذلك أصحاب الأهواء من الأعداء بصناعة الأكاذيب التي ربما يكفون عناء نشرها من قبل المتسرعين والسذج.
إنما يجدر بالإنسان أو ربما يجب عليه أن لا يحدث بما ورد إليه من أنباء حتى يتأكد من صحتها قدر ما يستطيع، ثم ينظر بعد ذلك في المصلحة العامة من نقله هذا الخبر أو ذاك؛ فإن وجد مصلحة أو لم يجد ضرراً فلا بأس، وإن وجد خلاف ذلك فليمسك عن النقل.
ثم ما أنفع أن يتوج نتيجة تبينه بأن يبين للناس ما توصل إليه من خطأ ما شاع خبره من الأكاذيب ذات التأثير المتعدي، ليحق الحق ويمنع الضرر على الأفراد وعلى المجتمع بشكل عام.
نايف بن حمود العتيبي
كلية العلوم
Add new comment