لكل حرية ضوابط حتى حرية القلم في التعبير عن الرأي والفكر؛ إذ يمكن لذلك القلم، إن جرد من الضوابط، أن تنطلق كلماته كالرصاص دون معنى أو هدف، متذرعة بحرية الرأي والتعبير، وليس المقصود هنا تكميم الأفواه أو كسر الأقلام، ولكن المقصود أن ينتهج الرأي المسار الصحيح محققا أهدافه المرجوة منه في حدود الضوابط الشرعية والنظامية.
وحرية الرأي والتعبير هي أحد حقوق الإنسان التي تكفلت الشريعة الإسلامية بحفظه وصيانته في إطار الضوابط الشرعية، والتي من أهمها أن تكون الغاية من التعبير عن الرأي مرضاة الله تعالى وخدمة مصالح المسلمين، وأن يرتبط ذلك الحق بمرجعية تراعي المعتقدات والقيم الدينية، وأن يؤخذ في الاعتبار الآثار التي تنجم عن التعبير عن الرأي.
لذلك، فالرأي يجب أن يكون مستندًا إلى مصادر موثوقة لقوله تعالى «يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين»، فلا بد من التثبت من صحة الخبر وما بني عليه الرأي؛ تجنبًا لإثارة البلبلة والفوضى، وقد تم تأكيد ذلك الحق في العديد من المواثيق الدولية، ومنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مادته الثامنة عشرة.
ونظامًا فإن حرية الرأي والتعبير حق مكفول للجميع، طبقًا لنظام المطبوعات والنشر الصادر بالمرسوم الملكي رقم أ/90 في 27/8/1424، حيث نصت المادة الثامنة على أن «حرية التعبير عن الرأي مكفولة بمختلف وسائل النشر في نطاق الأحكام الشرعية والنظامية». وحددت المادة التاسعة منه الضوابط القانونية لإجازة أي مطبوعة وأهمها ألا تخالف أحكام الشريعة الإسلامية وألا تخل بأمن البلاد أو نظامها العام أو تؤدي إلى بث الفرقة بين المواطنين أو المساس بكرامة الأفراد وحرياتهم وسمعتهم، وألا تحبذ الإجرام أو تضر بالوضع الاقتصادي، وأن تلتزم بالنقد الموضوعي البناء الذي يحقق المصلحة العامة؛ ولا شك أن هذه المادة حددت أهم الضوابط النظامية لحرية الرأي والتعبير.
وتعزيزًا لسياسة المملكة في تدعيم حرية الرأي والتعبير المسئولة، فقد تم إنشاء مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، ومن أهم أهدافه ترسيخ مفهوم الحوار وسلوكياته في المجتمع بما يحقق المصلحة العامة، ويضم المركز لجنة تطوعية للشباب من سن 16 إلى 30 سنة تسهم في نشر رسالة المركز بين الفئات الشابة.
وانطلاقاً مما سبق إذا التزم صاحب الرأي بالضوابط الشرعية والنظامية لحرية الرأي والتعبير، فلن يكون صاحب قلم رصاص ولكن صاحب قلم مبادىء كلماته من ذهب، فالكلمة أمانة.
د. حنان الحسيني
كلية الحقوق والعلوم السياسية
Add new comment