يخلط كثير من أعضاء هيئة التدريس والباحثين بين مفهومي التقويم والتقييم، بل في كثير من الأحيان يعتبرونهما شيئاً واحداً ولا يفرقون بين المفهومين، وبخاصة عند تقويم الطلاب وتقويم البرامج، مع أن هناك فرقاً شاسعاً بين كل منهما، ويرى البعض أن التقييم يعني بيان وإعطاء قيمة للشيء فقط والحكم عليه دون تصحيحه أو معالجته، ويرى آخرون أن التقويم يركز على التصحيح والتعديل، ولذلك كان التقويم مصطلحٌ أعمّ وأشمل من التقييم، كما يرى بعض اللغويين أن كلمة تقييم خطأ شائع، ويوجبون استخدام التقويم عوضاً عن التقييم، ومذهبهم في ذلك سببه أن التقييم تقديرٌ وتثمين، بينما التقويم تصحيحٌ وتعديل، وفيما يلي سنحاول الفصل بين الممفهومين لغة واصطلاحاً.
* التقييم: يعرف التقييم حسب ما أجازه مجمع اللغة العربية بأنه عملية إضافة قيمة للشيء، فوضع لفظة التقييم في المعجم الوسيط بمعنى: بيان قيمة الشيء، على اعتبار أنها لفظة مختلفة عن التقويم، حيث يعرف على أنه تحديد مستوى الأشياء بدقة، كما يعرف على أنه تحديد لمستوي البرامج التعليمية والإدارية وجودتها، والحكم بها على مستوى العاملين في المؤسسات التعليمية وغيرها.
إنّ عملية التقييم هي عبارة عن نشاط إداري يقيس بدقة مدى تحقيق الأهداف والغايات المطلوبة للمؤسسات «تعليمية أو غير تعليمية»، وتتمحور حول متابعة عملية التنفيذ، ورصد الأخطاء فيها، وتقديم تقرير بذلك لاتخاذ القرار المناسب بشأنها، حيث يطرح بعد عملية التقييم سؤال «هل حققنا الهدف؟». وتتطلب الإجابة على هذا السؤال فحصاً دقيقاً لآلية العمل وخطواته، بصورة تضمن قياس الأداء الذي يتيح فرصة المقارنة الحقيقية بين الأداء المخطط له مسبقاً والأداء الفعلي، وتحديد الانحرافات.
تساعد هذه العملية من الناحية التعليمية على تحديد مستوى الطلاب باستخدام المقاييس المختلفة، كما تحدد مدى فعالية وملاءمة المقررات والبرامج المقدمة لهم، والحكم على أعضاء هيئة التدريس ومدربي المقررات في تدريس هذه المقررات وتنفيذ البرامج، ويرافق ذلك العديد من التعديلات والإصلاحات «التقويم»، إذ إن قياس وتقييم الأداء يساهم إلى حد كبير في اقتراح المكافآت والحوافز المادية والترقيات الوظيفية المختلفة، ويرتبط بصورة مباشرة بنتائج التقارير الدورية الخاصة بكل عضو هيئة تدريس والتي تحدد إنجازاته، أي إن التقييم باختصار هو عملية منظمة لقياس مدى قدرة الأداء الحالي على إتمام المهام المطلوبة كما يجب، والكشف عن مواطن الضعف والقوة في خطوات العمل المختلفة.
* التقويم: في أصله اللغوي يعني إزالة الاعوجاج الظاهر في الشيء، ويتناول الطبري هذه اللفظة، ويقول إن «أقوّم» تعني «أصوب»، وهذا التفسير الحرفي الدقيق لأصل التقويم، وذكرت لفظة التقويم في سورة التين، فقال تعالى: «لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ»، وجاء المفسرون على هذه اللفظة فقالوا بأن المعنى المراد من هذه اللفظة هو أن الله خلق الإنسان في أعدل صورة، وأفضل استقامة، وذكرت «قوامين» أيضاً في سورة النساء، فقال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ»، وهنا تعني دفع المؤمنين للاجتهاد في نشر العدل والاستقامة في الأرض.
ومن الناحية العلمية يعرف التقويم على أنه: «عملية منظمة تتضمن جمع المعلومات والبيانات ذات العلاقة بالظاهرة المدروسة، وتحليلها لتحديد درجة تحقيق الأهداف، واتخاذ القرارات من أجل التصحيح والتصويب في ضوء الأحكام التي تم إطلاقها». كما يعرفه قاموس مايكروا روبيرت بأنه: «حكم يطلق على قيمة خاصة بشيء ما، ومن ثم تقدير هذا الشيء وتصحيحه».
ويشير مصطلح التقويم إلى التصحيح والإصلاح وتعديل الأخطاء والتغلب على نقاط ومواطن الضعف المختلفة، ويعدّ هذا النشاط تابعاً لعملية التقييم، لأنها تحدد بدقة كافة الأخطاء التي تمّ ارتكابها خلال العمل، ويأتي التقويم على شكل حل لكافة العيوب ونقاط الضعف، حيث يقع على عاتق هذا النشاط اتخاذ الإجراءات التصحيحية والتقويمية اللازمة للوصول إلى الأهداف المحددة بكل دقة، وللحصول على مخرجات أعمال مناسبة ضمن المواصفات المطلوبة.
مثلاً عند تقييم وتقويم الأداء الوظيفي يطرح التقييم الأسئلة التالية: هل يقوم الموظف بأداء المهام المطلوبة منه بالشكل المناسب، ووفقاً للأهداف التي تمّ تحديدها؟ ما مدى تقدمه نحو أداء الهدف؟ هل يستحق التحفيز المعنوي والمادي؟ كيف يمكن استغلال واستثمار مهاراته بالأسلوب الأمثل؟ هل يحتاج إلى تدريب وتطوير؟ وهنا يأتي التقويم ليضع الحلول اللازمة للتغلب على المشاكل التي يظهرها التقييم الوظيفي، سواء ضعف الموظفين في مجال عملهم، أم قلة دافعيتهم نحو العمل، أم عدم امتلاكهم لمهارات العمل الأساسية وخاصة العمل ضمن فريق وغيرها، بحيث يتمّ التقويم على شكل دورات تدريبية وتأهيلية، أو عن طريق زيادة الحوافز.
والمثال الآخر عندما نعطي طلابنا اختباراً «مقياساً» فإن درجات الطلاب التي تم الحصول عليها بواسطة الاختبار تحدد لنا مستويات تقدمهم ومدى فهم للمادة، وبالتالي أعطت لمستوياتهم تقييما أي قيمة «درجات» وبهذا نكون أجرينا عملية تقييم، بينما عند وضع خطة علاجية للنهوض بالطلاب الضعاف أو خطة تحسينية للحفاظ على أو رفع مستوى تقدم معين لدى الطلاب المتفوقين والموهوبين، وتصويب وتعديل الأخطاء سواء في عمليات التعليم والتعلم أو في الإجراءات أو حتى في عمليات القياس نفسها وتعزيز نقاط القوة، كل هذا يعتبر عملية تقويم، وبذلك يمكننا اعتبار عملية التقويم أعم وأشمل وأكبر من عملية التقييم.
د. هشام عبدالغفار
أستاذ المناهج وطرق تدريس الرياضيات المساعد
منسق الجودة - قسم العلوم الأساسيــة
السنة الأولى المشتركة
Add new comment