قبل ثمانية وثمانين عـاماً، كان الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، طيب الله ثراه، قد شرع في تأسيس مملكة الوطن عندما رأى بحكمة القائد ونظرة السياسي المحنك، آفـاق هذا الوطن في مستقبله، وقيمة أرضه واسمه في الدين والتاريخ والجغرافيا، وما سيكون عليه هذا الوطن في غـده النافذ بسياسته الرصينة واقتصاده الحصيف، فـذرع ترابه على مداد الجهات الأربع في بوصلة فكره وثاقب نظره، وركَـز رايته في كل مكان منه وصلت إليه قدماه، فأسس لبناء أمة تعيش تمام الأمن ورخاء العيش وطيب المقام على مر السنين.
عندما وضع الملك المؤسس عبدالعزيز رحمه الله، أول لبنة في بناء مملكته، كان عماده العقيدة وشرعه كتاب الله، وعندما غرس أول نخلة من بواسق هذه الأرض، كان يدعو الله أن ينعم على شعبها برغد الحياة وأمان الخير، وهـو، ذلك الوقت، كان ينظر بعين المستبصر لمآلات الغد، ويعمل بنفوذ القادر الواثق من نفسه بربّه، على أن تكون بلاده ملء السمع والبصر على وجه الأرض، وملاذ الأفئدة المؤمنة من كل أصقاع الدنيا، ومنية النفس في خوالج الحالمين، فلمّ شمل بلاده حول بيت الله ومسجد نبيه، وأحاط بعنايته وحبه مشاعرها ومقدساتها، وأنفق على تعليم شعبه وعيشهم كل غال ونفيس، في وقت كان يعز فيه الغالي ويندر النفيس، لكنه بتوكله على القادر الجبار، كان يسير بقلب جبار بحجم الوطن وعزيمة الأجيال ونبل الرجال.
لم يترك صغيرة ولا كبيرة على تراب وطنه إلا رعاها بحبه، وسقاها بعزمه وعزيمته، في بلد ضج برماله وفـقر مائه وندرة موارده إلا من دعاء صادق لكريم توكل هو عليه، وبه اعتزم وإليه في الأول والآخر كان دأبه ومسعاه.
عبدالعزيز، الذي لم يتوان يوماً عن نصرة دينه وعقيدته، ظل آنذاك يسعى لمجد حاضره، وحضارة مستقبله، ليسلـّم الراية لأبنائه من بعده، فكانوا خيـر قادة للوطن وخير من عمره، فحملوا الراية تلهج بجلال التوحيد، وتزدان بسمْت العدل ولون التفاؤل والأمل، فأسمعوا أصواتهم كل الدنيا، وأجبروا من عرفهم على احتراف احترامهم وحفظ هيبتهم، فدان لهم الشرق والغرب قيمة ومقاماً وقدرًا، ويدين لهم أبناء الوطن روحاً وحباً، ووفاءً وبِراً.
د. محمد بن قاسم الرفاعي
عميد كلية طب الأسنان
Add new comment