«الـوطن» أطول عبارة وأوسع مفهوم وأجمل إحساس في تاريخ الإنسان، فالوطن جسدٌ وأرض، والأرض ليست تلك المساحة الجغرافية الشاسعة المقدرة بــ ٢٬١٥٠٬٠٠٠ كيلومتر مربع فقط، بل هو انتماء ومأوى وروح وسلوى، وهو النبض الذي في جنباتنا لا يُخفى.
لا يعرف قيمة الوطن إلا من ذاق مرارات الغربة وحسرات البُعد، آهات اللاجئين وأولئك المنتظرين على شفرات الأسلاك الشائكة المتجمدين تحت الثلوج وعبرات النادمين والغارقين في البحار والمحيطات، وكل أولئك التائهين.
في ظل المتغيرات الكثيرة والفتن التي أصابت الأوطان العربية منها على وجه الخصوص، دماء متناثرة، وجوه شاحبة حوارات عقيمة، لغة السلاح سائدة والأحزان المتراكمة، كآبة المناظر، وجنون الناظر، وحسرة الخاطر، يرى كم هي تلك المخاطر، التي تحاك ضد أمتنا وللأسف بعضها من أبناء جلدتنا؛ أصبح من الواجب لكل عاقل وفاهم فطن تعريف الوطن ورسم حدوده والذود عنه بكافة الوسائل هدفاً واجباً ومُبْتَغًى سامياً.
إن أرض المملكة وبكل صدق وبعيداً عن التورية والجماليات اللفظية، قد أصبحت ملاذاً للخائفين وستظل كما كانت مقصداً للعابدين والزاهدين بلا منازع، وصارت اليوم أمناً للخائفين والهاربين من بطش الطائفيين، بلدٌ يتمتع بالاستقرار السياسي والاقتصادي في ظل رؤى مدروسة، وخطوات محسوبة، بلد يتمتع بالأمن والأمان، بلدٌ يضم في جنباته وتنصهر فيه كل العرقيات والجنسيات في ظل عدالة اجتماعية.
بلدٌ متكاتف بأبنائه وبناته بالصغير والكبير، بلدٌ حباه الله بتنوع بيئي مذهل وبشواطئ ممتدة وجزر رائعة تكاد تكون فصول السنة موجودة في وقت واحد عبر مناطقة المختلفة جبالها وسهولها ووديانها وشواطئها، بلد مدهّ الله بثروات في باطنه ومعالم عملاقة في مجمله، فالمملكة ليست غنية بمالها وحسب، بل غنية بتاريخها وحضارتها وعراقتها وبالإنسان الـمـتسلح بالمعرفة بالعلم والقلم.
وإيماناً من القيادة السياسية منذ زمن المؤسس الملك عبدالعزيز آل سعود عليه رحمه الله وأبنائه الملوك من بعده الذي أولوا التعليم جلُّ اهتمامهم منذ اللبنة الأولى في تاريخ هذه الأمة اهتماماً خاصاً، حتى أصبحت عدد الجامعات الحكومية اليوم يقدر بـــ 28جامعة حكومية بالإضافة إلى ما يربو عن 10 جامعات أهلية رغم أن عدد السكان 31 مليون تقريباً، وطبقاً للإحصائيات الحديثة فقد بلغ إجمالي عدد الطلاب سبعة ملايين للتعليم الأساسي والثانوي في حين بلغ عدد الطلاب الجامعيين مليون وثمانمائة طالب وطالبة.
وهذا يدل لحرص القيادة على القضاء على كل كهوف الجهل ومعاول الهدم، على الطائفية والمناطقية والجهوية ومواكبة كل زوايا التطور والتقدم والعدل في شتى المجالات، وحسب تقارير المنظمات والهيئات العالمية فإن المملكة تصنف بأنها الأولى عربياً بالاهتمام بالتعليم ومخرجاته وتتربع على مراكز عالمية مرموقة وأصبحت جامعاتها تنافس وبكل جدراة جامعات العالم.
إن المتأمل بصدق وبشفافية لحال تلك البلدان من حولنا وبسبب أفراد وتجمهر ممقوت قد حادت عن تعاليم دينها وأنجرت وراء دعوات زائفة وخرجت عن طاعة ولي أمرها فأصبح حالها دماء على صفحات التاريخ وأجساد متناثرة على حدود البلدان، الغربة شعارها والهجرة ملاذها والحسرة تملأ أفواهها!
إن العاقل ليدرك ذلك ويعمل بكل ما أوتي من قوة أن يستفيد من صفحات هذا التاريخ المؤلم ليقف سداً منيعاً أمام الأفكار الضآلة والمغلوطة أمام الفساد أمام الأفعال المشبوهة أمام الإسراف والتبذير أمام التهور والتقليد أمام التفريق والتمزيق.
من الممكن أن نختلف مع سلوك أو فعل معين لكن لا نختلف ونقف ضد الوطن، ومن الممكن أن يكون لنا رؤية ونظرة لكن نناقشها من منظور الآخرين الصادقين ذوي الخبرة والمختصين مهما كان الوطن جريحاً فأنت الذي سوف تنزف فلن تجد أطهر من تراب وطنك! ولن تجد أرضاً تضم جسدك وهواء عليلاً يداعب روحك، وحباً يروي عواطفك.
الوطن غالٍ فلا تقتلوه بتلك الشعارات، إن زلّ هاج الجمال وهاجت معه قصائد الشعر والغزل وتبدد الحلم وأصبح كابوساً مستفحلاً، علينا أن نموت من أجل الوطن، لا أن يموت الوطن من أجل أفراد وأفكار ضالة وأحلام أسطورية، وقبل أن تكون الغربة وطن والحسرة عَلم والندمُ ألم، كن أنت الجندي والقلم، كن أنت العالم الفذّ البطل، احلم لتحقيق الحلم واعمل للوصول للقمم، فالوطن دفء وكرامة وأمل.
«أقبل تُرابك يا وطني» شعار وعمل.
فيصل أحمد الشميري
طالب دكتوراه
كلية علوم الأغذية والزراعة
Add new comment