يتصدى لتحليل النصوص القانونية دارس القانون بصفة عامة سواء كان مشرعًا أو فقيهًا أو قاضيًا، ولا شك أن إخضاع النص القانوني لخطوات منهجية وأسس علمية لتحليله يؤدي إلى سهولة تطبيقه وتحقيق الغاية التي شرع من أجلها، حيث يفترض أن تأتي القواعد القانونية في صيغة جامعة مانعة موجزة تحتاج إلى فهم حقيقة معناها، لذا يقصد بتحليل النص القانوني إجراء دراسة متفحصة له تنطوي على تفكيك الفرضيات التي يتضمنها لمحاولة استيعابه وتحديد المقصود من ورائه.
يمر تحليل النص القانوني بعدة مراحل تبدأ بالمرحلة الأولى، وهي محاولة فهمه من خلال القراءة المتعددة المتأنية المتأملة له لإمكانية تحديد طبيعته القانونية من حيث انتمائه لأي قسم من أقسام القانون ولأي فرع من فروعه، وهل هو من القواعد الآمرة أم المكملة، ومعرفة تموضعه ضمن المنظومة التشريعية التي صدر من خلالها، ثم تحديد مصدره هل هو نص دستوري أم تشريعي، وإذا كان نص تشريعي فهل ينتمي إلى التشريع العادي أم التشريع الفرع، وكذلك تحديد تاريخ صدوره للإحاطة بالتعديلات التي أجريت عليه إن وجدت وأثرها القانوني.
يلي ذلك المرحلة الثانية وهي دراسة بنية النص من مصطلحات وفقرات ومقاطع لتحديد المصطلحات المفصلية والكلمات المفتاحية التي يعتمد عليها لمعرفة طبيعة هذه المصطلحات سواءا كانت تجارية أو اجتماعية أو اقتصادية، وكذلك دراسة البنية اللغوية للنص القانوني من كلمات وتعابير مختلفة.
ثم تأتي المرحلة الثالثة والتي تعتمد على محاولة القائم بالتحليل فهم الطريقة التي تم صياغة النص بها، ولن يتمكن من ذلك إلا إذا كان على علم جيد بالطرق المتعددة لصياغة النصوص القانونية، سواء كانت هذه الطرق مادية كطريقة التعبير بالأرقام أو باستخدام شكل معين ينتج التصرف القانونى أثره من خلاله، أو طريقة التعبير بالإجراءات والشروط المحددة لإعمال حكم القاعدة القانونية، كما قد تكون الصياغة بإحدى الطرق المعنوية كالوضع الافتراضي حول تقرير القرائن القانونية أو استخدام المجاز القانوني عبر الحيل القانونية.
وأخيرًا نأتي إلى المرحلة الأخيرة وهي محاولة تحليل النص القانوني من خلال استخدام الطرق المختلفة المتبعة في تفسير القواعد القانونية سواء كانت طرق تفسير داخلية للنص القانوني عن طريق عباراته وألفاظه أو عن طريق روحه وفحواه، والتي تستخلص من دلالة إشارة النص أو دلالة مفهومه كالاستنتاج بمفهوم الموافقة أو الاستنتاج من باب أولى أو الاستنتاج بمفهوم المخالفة، أو بإتباع طرق التفسير الخارجية كالتقريب بين النصوص أومحاولة فهم حكمة التشريع أو الاستعانة بالأعمال التحضيرية والوثائق الرسمية المتعلقة بمراحل سن التشريع أو المصادر التاريخية التى استقى منها المشرّع مادة النص القانوني.
تلك المنهجية تمكن القائم بتحليل النص القانوني من فهم متعمق ودقيق له للوصول إلى عمق معانيه مما يتأكد معه سلامة تطبيقه تحقيقًا للعدالة الناجزة.
د. حنان الحسينى
كلية الحقوق والعلوم السياسية
Add new comment