وترجّل الفارس

 

الحمد لله القائل: (كل نفس ذائقة الموت) والحمد لله القائل: (وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون). 

فقدت الجامعة فارساً من فرسانها وهو سعادة الأستاذ/ منصور بن عبد العزيز الفارس مدير إدارة كلية التربية حيث وافته المنية ليلة السبت الماضي 21/1/1438  وتمت الصلاة علية عصر ذلك اليوم  في جامع الملك خالد بالرياض ووري جثمانه الطاهر في مقبرة الدرعية . 

وقد عرفت الفقيد منذ ما يقارب 25 سنة عرفته صاحب خلق  وتواضع وأدب جم، فكأنه أخلاق حية تمشي على الأرض والكل يشهد بذلك، وسبحان من جعل حوائج من يقصده تقضى على يديه وما ذاك بعد توفيق الله إلا لبركة هذا الرجل الذي لا تمل من الحديث والجلوس معه لم أره يوماً غاضباً أو مقطب الجبين  بل كان مبتسماً على الدوام، يفرح كثيراً بما تطلبه منه  ولا يكاد يرد أحداً ويصدق فيه قول القائل: 

سهلُ الخليقةِ لا تُخشـى بـوادِرُهُ

 يزينُهُ اثنانِ حُسْنُ الخَلْـقِ والكـرمُ 

حمّالُ أثقـالِ أقـوامٍ إذا فُدِحـوا

 حلْوُ الشّمائِلِ تحلـو عنـدَهُ نَعَـمُ 

لا يخلِفُ الوعـدَ مَيمـونٌ نقيبتُـهُ

 رحْبُ الْفَناءِ أريـبٌ حيـنَ يعتـزِمُ 

من آخر اللجان التي عملنا فيها  سويّاً  في كلية التربية ( لجنة الانضباط العام ) وكان من مهامها الحث على الصلاة في وقتها في الكلية وخصوصا صلاة الظهر و تنبيه الطلاب إلى عدم الجلوس في ممرات وأسياب الكلية أثناء وقت الصلاة، وتمت طباعة ملصقات وبوسترات من أجل ذلك وكانت بيني وبينه وبين زميلنا د. عبد الحكيم القاسم مراسلات عدة في ذلك وكان رحمه الله يحترق كثيراً ويكاد يموت من الأسى على من يراه جالساً والصلاة مقامة، ومن رسائله: (للأسف نرى الأكثرية من الجالسين تقام الصلاة ولا يتحركون) .  

وكان يزعجه كثيرا منظر وضع الأحذية عند مصلى الكلية على الأرض لكون ذلك ليس منظرا حضاريا ولأمر آخر مهم عنده وهو أن كفيفي البصر يتعثرون في هذه الأحذية عند دخولهم إلى المصلى، فصمم صندوقا خاصا بالأحذية المخالفة التي لا يلتزم أصحابها بوضعها في أماكنها وكان يكلمني بتأثر شديد لما رأى تعثر أحد كفيفي البصر. 

رحمك الله يا أبا عبد العزيز ماذا أذكر وماذا أترك؟! تتسابق الحروف و تتزاحم الكلمات  حتى لا تكاد تخرج . 

وكانت في حياتك لي عِظاتٌ *** فأنت اليوم أوعظ منك حيّاً 

لما جاءتني رسالة فيها خبر وفاته ليلة السبت   كنت حينها نائم واستيقظت قبيل الفجر ولم أصدق ما فيها وقلت لعله خطأ في الاسم، ثم  قلت لعلي أنام ثانية وأستيقظ ويكون ذلك كله حلم ... كان آخر تواصل بيني وبينه رحمه الله تعالى قبل وفاته بست ساعات تقريباً وكان لأمر يتعلق بالكلية. 

إن مما يهون علينا هذا المصاب الجلل بعد الرضا بقضاء الله وقدره هو ما رأيناه من هذه الجمع الغفيرة التي أتت للصلاة عليه وقد أثنوا عليه خيراً  وقد ورد في الحديث الصحيح  أن جنازة مرّت بالنبي  فأثنوا عليها خيرا فقال  وجبت فقال عمر وما وجبت ؟! فقال هذا  أثنيتم عليه خيرا فوجبت له الجنة ... الحديث

وقوله   في الحديث الصحيح : (ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً   لا يشركون بالله شيئاً إلا شفّعهم الله فيه)

رحمك الله... رحمك الله... إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا بفراقك يا منصور لمحزونون... وإنا لله وإنا إليه راجعون 

 اللهم اللَّهُمَّ اغْفِر لأبي عبد العزيز، وَارْفَعْ درَجَتهُ في المَهْدِيِّينَ، وَاخْلُفْهُ في عَقِبِهِ في الْغَابِرِين، واغْفِرْ لَنَا ولَه يَا ربَّ الْعَالمِينَ، وَافْسحْ لَهُ في قَبْرِهِ، وَنَوِّرْ لَهُ فيه. 

د.تيسير بن سعد أبوحيمد 

كلية التربية 

قسم الشريعة والدراسات الإسلامية

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA