مدونة السلوك الأخلاقي.. مفهومها ومقاصدها

كثر الحديث في السنوات الأخيرة حول النزاهة والسلوك الوظيفي القويم؛ وذلك نتيجة تنامي حالات الفساد المالي والإداري في المؤسسات العامة والخاصة على حد سواء، وخاصة بعد إفلاس شركات عملاقة بسبب سلوكيات وفضائح وانحرافات إدارية كشركة «إنرون» وشركة «تايكو» ونشوء الأزمة المالية العالمية عام 2008م وغيرها، لذلك بادرت كثير من المنظمات والحكومات إلى تبني ما يعرف بمدونات السلوك الوظيفي، ومنها على مستوى الوطن العربي، الأردن ومصر والمملكة العربية السعودية، التي بادرت مؤخراً إلى إدخال وثيقة أطلق عليها «مدونة قواعد السلوك الوظيفي وأخلاقيات الوظيفة العامة» للعاملين في كافة المؤسسات والهيئات العامة، وذلك بموجب قرار مجلس الوزراء رقم «555» بتاريخ 25/12/1437هـ.

ومع أهمية وجود مدونات السلوك الوظيفي في الحياة التنظيمية وتوجهها للموظف والمواطن في نفس الوقت لكون المواطن هو المستفيد من الخدمة، وقد يكون طرفاً في إفساد الموظف وتوريطه في قضايا غير أخلاقية، إلا أن الكثير من الموظفين والمواطنين لا يعلمون عنها سوى اسمها، دون إلمام برسالتها وغاياتها ومقاصدها ودورها في تهذيب السلوك الوظيفي وإرساء قيم النزاهة والفضيلة في المنظمات.

تعرف «مدونة السلوك الوظيفي» اصطلاحاً بأنها «وثيقة تصدرها المنظمة أو الدولة» تتضمن مجموعة من القيم والمعايير والمبادئ ذات العلاقة، تحدد ما هو مرغوب وما هو غير مرغوب فيه من السلوك في إطار بيئة العمل». أو «هي وثيقة ترشد العاملين في المنظمة «أو الدولة» إلى الضوابط السلوكية التي يجب الالتزام بها، وبعض جوانب السلوك المنهي منها «مراعاة الأمانة- الانضباط - الكياسة مع المواطن- عدم قبول الرشوة- عدم قبول الهدايا والعزومات ...الخ»، وكذلك العقوبات التي قد يتعرض لها الفرد في حال المخالفة.

وقد تصدر مدونات السلوك الأخلاقي في كراسات أو نشرات تذكر بقيم المنظمة وأخلاقياتها، وتطلب بعض المنظمات من العاملين التوقيع على المدونة للعلم بها والالتزام بمقتضياتها، وليس العبرة في وجود المدونة الأخلاقية وحجمها أو شكلها أو محتواها، وإنما في مدى الالتزام بها من قبل الموظفين والقيادات الإدارية والمواطنين المستفيدين من خدمات المنظمة.

وقد يسأل سائل ما الفرق بين مدونة السلوك الأخلاقي والقانون واللائحة التنفيذية أو التنظيمية، وهنا يمكن القول إن المدونة الأخلاقية يكون الالتزام بها طوعياً وبوازع أخلاقي في العادة، ويكون الضمير هو الأداة الرقابية الفعالة في هذه الحالة، بينما القانون يكتسب صفة الإلزام.

وتؤدي المدونات الأخلاقية عدة وظائف وأغراض من أبرزها: تحديد طبيعة السلوك الأخلاقي المرغوب والمتوقع من قبل المنظمة «أو الدولة» وموظفيها، تعريف المواطنين بأنماط السلوك الأخلاقي المتوقع منهم، الترويج للمعايير المهنية والأخلاقية للسلوك داخل وخارج المنظمة، تحديد السلوك المهني المثالي في إطار واضح بدلاً من تركه للاجتهادات الشخصية، الحفاظ على الثقة المتبادلة بين المنظمة «الدولة» والمستفيدين من خدماتها والمجتمع بشكل عام، تنمية اهتمام العاملين بالجوانب والمشكلات الأخلاقية كقضية مهمة، وتجنيبهم سوء التصرف غير الأخلاقي ومنحهم القدرة على مواجهة المآزق والمواقف غير الأخلاقية بثقة، إحداث الموازنة بين الجوانب الأخلاقية والجوانب المادية/ الاقتصادية.

ومن وظائفها أيضا حماية العاملين من ضغوط الرؤساء وتعليماتهم غير النظامية كمصدر للسلوك غير الأخلاقي، وحماية سمعة المنظمة وصورتها أمام جمهور المستفيدين، وتخفيف حدة الصراعات داخل المنظمات الإدارية وتحويل المناخ التنظيمي إلى مناخ تعاوني وإنساني مثمر، وجعل البيئة الوظيفية أكثر شفافية ونزاهة، إضافة لتحويل الإدارة إلى مهنة من خلال ما تضعه من قواعد لحماية سمعة المهنة الإدارية كقواعد تنظم الاختيار والتعيين والترقية والتعامل مع العملاء ونحو ذلك.

ورغم كل ذلك، تواجه مدونات السلوك الوظيفي بعض الانتقادات، منها أن القيم والمعايير الأخلاقية أحكام ذاتية «شخصية» تُضعف الإدارة بوصفها علماً له قواعد موضوعية، وأنها تعمل على غرس قيم ومعايير أخلاقية لدى الأفراد قد يكون من الصعب تغييرها في فترة لاحقة إذا ما استدعت الحاجة إجراء تغيير في منظومة القيم والسلوكيات على مستوى المنظمة أو الجهاز الحكومي ككل من منطلق أن المنظمة تعمل في بيئة متغيرة تفرض عليها التغيير النسبي في قيمها ومعاييرها، مما يجعل المدونة بما تحتويه من معايير قيمية معينة تصبح عقبة أمام عملية التغيير المنشود. ومما يميز المدونة السعودية أنها ذكرت بالأحكام الواردة في بعض الأنظمة واللوائح كنظام الخدمة المدنية ونظام مكافحة الرشوة، علاوة على ذلك أفردت مساحة كافية لتوعية الموظف بكيفية التعامل مع التقنية الحديثة «الإنترنت والكمبيوتر والبريد الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي» في المكاتب الحكومية، وذلك من حيث ترشيد استخدام الحاسب الآلي الذي بعهدته وصيانته وعدم استخدامه في أغراض لا تخدم العمل أو تحميله مواد وصوراً ومعلومات تضر بمصلحة العمل وتخدش القيم الأخلاقية.

د. عبدالملك المخلافي

كلية إدارة الأعمال

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA