الشباب والأمن الفكري

زاوية: شبابنا

إن نعمة الأمن والاستقرار من أعظم النعم التي يظفر بها الإنسان، فيكون آمناً على دينه وعلى نفسه وعلى ماله وولده وعرضه بل وعلى كل ما يحيط به؛ وفي ظل الأمن والأمان تحلو الحياة، وهو مطلب الشعوب، والأمن هبة من الله لعباده، ونعمة يغبط عليها كثير من الناس.

قال الله تعالى «فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ»، وقال صلى الله عليه وسلم «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَده، عِنْده قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا».

وللأمن عدة أنواع هي الأمن النفسي، الأسري، الاجتماعي، الفكري، الأقتصادي، المائي، الوطني، الوقائي والأمن الغذائي؛ إلا أن العُلماء يرون أن الأمن الفكري هو لب الأمن وأساسه لأن الأمم والحضارات تقاس بعقول أبنائها وبأفكارهم لا بأجسادهم، فالعبرة بالقلوب لا بالقوالب وبالأرواح لا بالأشباح؛ فإذا أطمأن الناس على ما عندهم من مبادئ وأصول واضحة، وأَمِنوا على قيمهم، وأفكارهم ومثلهم؛ فقد تحقق لهم الأمن؛ وبالمقابل إذا تأثرت تلك العقول والقلوب بأفكار دخيلة فاسدة، وتلوثت بثقافات مستوردة، واختلطت مفاهيمها بمفاهيم خاطئة، فإن ذلك مؤشر بدخول الخوف إليهم.

ولاشك أن انعدام الأمن وانتشار الحروب والصراعات والإرهاب داخل المجتمعات لها آثار بالغة الصعوبة؛ كالدمار في الممتلكات، والأضرار البيئية، والمجاعات، والأمراض، والإصابات، والموت، والتأخر العلمي، والتأثيرات النفسية السلبية على الأفراد، واستنزاف الموارد الاقتصادية والبشرية، والتشريد، وغيرها.

خذ على سبيل المثال ظاهرة الإرهاب، التي لا تقتصر على دين أو ثقافة أو هوية معينة، وإنما هي ظاهرة معقدة وملازمة للحياة الانسانية بصورة عامة؛ إذ نلاحظ إنجذاب الشباب إلى هذه الظاهرة، ومعظم منفذي عمليات التفجير الانتحارية التي تشهدها دول العالم هم من فئة الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين «19-28» عاماً حيث نجحت المنظمات الإرهابية في جذب هذه الفئة العمرية وتجنيدها لصالحها لاعتناق الفكر الإرهابي، هذا الفكر الذي انتشر عندما انتشرت الآراء والأفكار المُتزمِّتة التي تلغي الآخر وتحرمه من حق الحياة المقدّر له أصلاً، وهذا ناتج عن فهم خاطئ للدين وخلط بين مفهوم الإرهاب والجهاد.

أخيراً، على الشباب أن يعلم أننا نعيش عصراً تعدَّدت وتنوَّعت فيه التحديات الفكرية والمشارب العقدية، لهذا عليه أن يعي أهميّة دور التحصين العقدي وتعزيز الأمن الفكري، بحسبانهما حجرا الزاوية في الحفاظ على وحدة وتماسك وأمن المجتمع، وغير خاف ما للإسلام من دور متعاظم في الحفاظ على أمن وسلامة الفكر للأمة المسلمة، بل وللبشرية جمعاء، إلا أن التاريخ يشهد منذ القدم على كثير من العقول البشرية التي لم تدرك الحقيقة، إما كبراً وتكبراً، أو لقصور في الفهم والوعي، أو لخلل في البيئة والثقافة، أو لعدم الإيمان بالمسؤولية المجتمعية الوقائية، فكانت الاضطرابات والتفجيرات والقتل والتدمير، التي أحدثت خللاً بالأمن الحسي، ستظل آثاره منطبعة في الذاكرة لأمد طويل.

واعلم يا أيها الشاب أن التوسط والاعتدال هو الذي يتفق مع الفطرة الإنسانية، فالإنسان خلق ضعيفًا يعتريه الفتور والكسل، ويتقلب بين قوة وضعف، وصحة ومرض، فكان الاعتدال هو المناسب له المتفق مع حاله، وإلى اللقاء.

د. علي بن أحمد السالم 

المدينة الطبية الجامعية

alisalem@ksu.edu.sa

 

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA