مهارات التفكير الاستقرائي

التفكير الاستقرائي هو عملية استدلال عقلي، تستهدف التوصل إلى استنتاجات أو تعميمات تتجاوز حدود الأدلة المتوافرة أو المعلومات التي تقدِّمها المشاهدات المسبقة، فلو شاهدت وأنت في طريقك إلى العمل سيارتَي أجرة صغيرتين تقطعان إشارة ضوئية حمراء، ثم وصفت الحادثة لصديق لك وأنهيت كلامك بالقول: «جميع سائقي سيارات الأجرة الصغيرة مستهترون، لا يراعون الإشارات الضوئية»، فإنك تكون قد تجاوزت حدود المعلومة التي انطبقت في حقيقة الأمر على سائقين فقط، وعمَّمتها على فئة سائقي سيارات الأجرة الصغيرة دون استثناء.

من الواضح هنا أن الاستنتاج الذي توصلت إليه هو استنتاج استقرائي لا يمكن ضمان صحته بالاعتماد على الدليل المتوافر بين يديك، وأقصى ما يمكن أن يبلغه استنتاج كهذا هو احتمالية أن يكون صحيحًا، ومثل ذلك القول بأن «التدخين سبب رئيس للإصابة بالسرطان»، فهذا الاستنتاج قد تم التوصل إليه ربما بعد ملاحظة ملايين الحالات، ومع ذلك فإن الاحتمال قائم دائمًا بأن لا يكون التدخين سببًا رئيسًا للإصابة بالسرطان.

وهكذا يتضح أن التفكير الاستقرائي يذهب دائمًا إلى ما هو أبعد من حدود المعلومات المعطاة أو الدليل المائل أمام المستقرئ، وجُلُّ ما يطمح إليه هو اتخاذ الدليل أو المعلومات المتوافرة سندًا مرجحًا للاستنتاجات، بمعنى أنه إذا كانت المعلومات أو الفروض الموضوعة صحيحة، تكون الاستنتاجات صحيحة على وجه الاحتمال.

ومن غير الممكن إثبات النتيجة في الاستدلال الاستقرائي بصورة وافية عن طريق الملاحظة أو جمع المعلومات، خذ مثلاً «شركات التأمين» التي تقرِّر فرض أقساط أعلى على السائقين الشباب استنادًا إلى نتائج دراسات تحليلية ومعلومات مسحيَّة شملت آلاف الحوادث، وتوصَّلت إلى أن السائقين الشباب أكثر عرضة للحوادث من غيرهم، فهذا استنتاج استقرائي يرتب التزامات مالية على السائقين في المستقبل استنادًا إلى معلومات عن السائقين في الماضي.

وإذا أردنا أن نتحدَّى هذا الاستنتاج، فأمامنا طريقان: الأول أن نتحدَّى الدليل الذي استند إليه الاستنتاج، مع أن الأمل ضعيف جدًّا في هذه الحالة؛ لأن المعلومات التي جمعتها شركات التأمين هي معلومات رسمية وافية.

الثاني أن نتحدَّى الاستنتاج نفسَه على أرضية الافتراض بأن معدَّل الحوادث في الماضي لن يستمرَّ بالضرورة على حاله في المستقبل، وفي هذا الصدد أشار العلماء والفلاسفة إلى مشكلة الاستقراء التي تتلخص في حقيقة أن الباب يظل مفتوحًا للاعتراض على استنتاجاته مهما كان الدليل مدروسًا وقويًّا.

ولكن ينبغي ألا يُفهَم من ذلك أن علينا تجنُّب التفكير الاستقرائي، نظرًا لأنه يلعب دورًا مهمًّا في حياتنا، فنحن إذا لم نكن قادرين على التعميم وتجاوز حدود المعلومات المتوافرة لدينا، فلن نتمكَّن من فهم نواميس الطبيعة أو اكتشافها.

إن التفكير الاستقرائي بطبيعته موجَّهٌ لاستكشاف القواعد والقوانين، كما أنه وسيلة مهمَّة لحل المشكلات الجديدة، أو إيجاد حلول جديدة لمشكلات قديمة، أو تطوير فروض جديدة، وعِوضًا عن تجنُّب الاستقراء، علينا أن نتعامل مع مشكلة الاستقراء المشار إليها بجعل استنتاجاتنا موثوقة إلى أقصى درجة ممكنة؛ وذلك بالحذر في إطلاق التعميمات أو تحميل المعلومات المتوافرة أكثر مما تحتمل؛ خوفًا من الوقوع في الخطأ.

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA