الأخلاق شكل من أشكال الوعي الإنساني، وهي مجموعة من القيم والمبادئ تحرك الأشخاص والشعوب، وتشمل العدل والحرية والمساواة، وترتقي إلى درجة أن تصبح مرجعية ثقافية لتلك الشعوب، وسنداً قانونياً تستقي منه الدول الأنظمة والقوانين.
كما أن الدين بشكل عام سند للأخلاق، حيث يقيم السلوك الإنساني على ضوء القواعد الأخلاقية التي تضع معايير للسلوك، يضعها الإنسان لنفسه أو يعتبرها التزامات وواجبات تتم بداخلها أعماله.
وللأخلاق مكانة عظيمة في الدين الإسلامي، قال تعالى: «هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ» سورة الجمعة: 2؛ فيمتن الله على المؤمنين بأنه أرسل رسوله لتعليمهم القرآن وتزكيتهم، والتزكية بمعنى تطهير القلب من الشرك والأخلاق الرديئة: كالغل والحسد؛ وتطهير الأقوال والأفعال من الأخلاق والعادات السيئة، وقد قال عليه الصلاة والسلام بكل وضوح: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق». فأحد أهم أسباب بعثة النبي صلى الله عليه وسلم هو الرقي والسمو بأخلاق الفرد والمجتمع.
إن المجتمعات المتحضرة تولي عناية كبرى لتحصين مواطنيها من الأمراض، وتنفق الملايين على حملات التلقيح الطبية خوفاً من انتشار الأوبئة والأمراض؛ كحملات مكافحة شلل الأطفال والدرن والحصبة وإنفلونزا الطيور والخنازير وغيرها، ولا شك أن الأمراض العضوية خطيرة جدا، لكن أمراض الأخلاق وجراثيم الفساد أعظم خطرًا وأشد، ولا يمكن مواجهتها إلا بالتحصين الأخلاقي وصيانة النشء والشباب من تسرب هذه الجراثيم الأخلاقية إليهم، وخلع جذور الشرور منها، وتزكيتهم من النيات والغايات السيئة التي إذا رسخت فيهم أدت إلى الانحرافات الأخلاقية إن عاجلاً أو آجلاً.
إن من أبرز أسباب سقوط الأمم والحضارات انهيار الأخلاق فيها كما قرر بعض المؤرخين؛ كالإنجليزي «إدوارد جيبون» والعربي ابن خلدون وغيرهما، أما في العصر الحديث فقد قال وزير التعليم الياباني عندما سُئل عن مفتاح سر تقدم اليابان؟ قال: السر يرجع إلى أننا جعلنا تربيتنا الأخلاقية وسيلة للنهوض بالأمة!
بل أبعد من ذلك فقد أصدرت الحكومة اليابانية وثيقة توجيهات تجعل تعلم العادات الحميدة التي كانت سائدة في حقبة «إيدو» قبل نحو ثلاثة قرون مادة أساسية وليست اختيارية في المدارس بحلول العام الدراسي 2018، وعزت قرارها بوجود علاقة بين تراجع مستوى الأخلاق لدى طلاب المدارس وبين تزايد معدلات الجريمة، كذلك لاحظوا في السنوات الأخيرة تزايد المشاكل العائلية وابتعاد النشء عن ذويهم وانعدام التواصل الأسري، وأن الحل هو في استعادة الأخلاق التي تحافظ على الاحترام بين أفراد المجتمع.
أخيراً، الأخلاق لا تتأصل بمجرد سن القوانين والأنظمة والإعلانات وبإلقاء الخطب والمواعظ من حين إلى آخر، وإنما تتأصل عن طريق التنشئة الاجتماعية والتربية الأخلاقية عبر المراحل التعليمية، أي عن طريق تكوين القناعة العقلية والعلمية لدى النشء والشباب ودفعهم إلى ممارستها عمليًا في حياتهم الاجتماعية داخل المجتمع وخارجة، كطريقة المشي، ومستوى الصوت، والكلمات التي يجب اختيارها عند مخاطبة الآخرين، وهكذا، كل حسب عمره، ثم بعد ذلك يتم التقويم المستمر للسلوكيات الأخلاقية والاجتماعية في ضوء المعايير والقيم العامة بحيث تصدر منهم تلقائياً.
أما أنت أيها الشاب فاعلم أن خلق النبي صلى الله عليه وسلم هو القرآن الكريم، فاجعله خلقك، ولا تُحمل سوء أخلاقك لغيرك، وأنك نتاج البيئة الاجتماعية التي نشأت فيها، وتذكر قوله سبحانه وتعالى: «وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ۚ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ ۖ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا ۚ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ۚ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ۚ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًاۖ إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا ۚ كُلُّ ذَٰلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِندَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا).
د. علي بن أحمد السالم
المدينة الطبية الجامعية
إضافة تعليق جديد