عندما يمسك أحدنا كتاباً لقراءته لا بد أن يعيش مع الكتاب ويتعمق في حروفه ليتذوق معانيها وتنغرس ثمارها في أفكاره، ولابد من أن يهيئ له المكان الذي يساعده في التمعن الحقيقي، فحين تقرأ لتغذي عقلك ستشعر حقاً أنك في عزلة، ولكن ما هذه العزلة!
إنها عزلة تفصل تفكيرك عن بيئتك الحالية وتبعدك عن همك وعما يقلقك وتخلق لك عالماً أكثر هدوءاً وأكثر تأثيراً عليك، ودون تلك العزلة لن تنقل لك القراءة إحساساً بالسعادة بغض النظر عما تقرأه.
وباستزادتك تشعر وأنك بدأت تلقائياً تهرب بهدوء عن توافه الحياة وصغار العقول، وستشعر حقاً أنك كبير أمام من ينتقصك ويحاول تعكير يومك، وستشعر كذلك بنضوج فكرك، وسوف تحب الصمت أكثر من الكلام وستلغي من قائمة أصدقائك المحبطين منهم وتحب الجلوس لوحدك أكثر وتريد أن تقرأ المزيد.
قد يعتبر البعض أن هذا الانعزال الجزئي يدخل في إطار العزلة الاجتماعية ولكني أراها عزلة ثقافية، فهي لا تجعلك تغلق الأبواب على نفسك وتصد الجميع وتخسر الصديق والقريب، ولكنها تجعلك في مرحلة الانتقاء الحقيقي لمن تخالط ومع من تتكلم ولمن تستمع، وهي أشبه بمرحلة التنقيح بحيث تُخرج كل من يؤثر على نمو ونضوج عقلك، وتدرك قيمة وقتك وتعرف كيف تستغله وبم تشغله!
نعم كل ذلك تفعله القراءة وأكثر، فعزلة القراءة تلك تحشو خلايا عقلك حكمة دون أن تشعر بالصداع، وتطور قدراتك الفكرية دون أن تحتاج لدورات تدريبية، وعندما تكون الحياة مكتظة ومليئة بالأحداث المتسارعة فنحن بحاجة ماسة لإثارة العزلة، فالقراءة عزلة ثقافية نحتاجها وليست عزلة اجتماعية نخافها.
خلود الأسمري
كلية الآداب - قسم الإعلام
إضافة تعليق جديد