إنها صورة ذهنية

زاوية: آفاق أكاديمية

يعتبر العالم والتر ليبمان walter lippmann من أوائل من تناول مفهوم الصورة الذهنية من خلال كتابه الأشهر «الرأي العام» الذي نشر في عام 1922م، حيث يقرر ليبمان أن الإنسان يضطر لتكوين الصور وهي تمثيل لبيئة غير حقيقية، نتيجة -وهذا هو بيت القصيد- لضيق الوقت المتاح للإنسان ولصعوبة تعرف الشخص على حقائق العالم كله من حوله.

هذا المفهوم الذي يطرحه ليبمان أساسي لفهم «كيف يفكر الناس» و«يتخذون مواقف» و«يعادون ويوالون» على صور يصنعها لهم أشخاص أو وسائل إعلام أو شبكات اجتماعية تتدفق منها آلاف المعلومات والأخبار والقصص.

أحد أكبر التحديات التي تواجهني وتواجهك عزيزي الطالب أن البعض قد ينقل إلينا واقعة معينة أو موقفاً ويحاول أن يلونها بتحيزاته وتوجهاته التي قد تكون –بحسن أو سوء نية- الأهم أن «ناقل المعلومة» ربما اجتهد في تصوير الواقع بالطريقة التي يراها مناسبة..

دعونا ننتقل من التنظير المهوم في الفضاء إلى الواقع اليومي الذي نعيشه..كثيراً ما ينقل إلينا أشخاص تصوراً عن شخص معين وليكن أستاذاً لمقرر معين، أو يحذرك أحدهم من ذلك الأستاذ فهو  «أقشر»، وتجد أحدنا من دافع الخوف الذي استثاره لدينا «الطرف الناقل» أدى بي إلى تحاشي أخذ المقرر ذاك  -أحيانًا- ولو على حساب تأخر البعض في التخرج، وبعد فوات الأوان تجد صاحبنا وقد تفاجأ بأن أستاذ المقرر المذكور لا «أقشر» ولا يحزنون.. وإنما ذاك الطالب لم يجتز المقرر لسبب خاص أو يكون من أصحاب وكالة «يقولون»!

الصورة الذهنية التي نصنعها «نحن» ونتخذ أحياناً موقفاً عدائياً من شخص أو مؤسسة رغم أننا في كثير من الأحيان لم نعش تجربة مباشرة في التعامل مع تلك الجهة أو ذاك الشخص، ولهذا جاء التوجيه القرآني الكريم في تصحيح تلك الصور التي يصنعها الآخرون لنا، بقوله: «يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا». 

نحزن كثيراً لأشخاص أشقوا عمرهم وهم يحملون «صوراً ذهنية» صنعها الآخرون لهم، بينما تجد الآخرون أولئك قد غيروا مواقفهم واتجاهاتهم لشعورهم بخطأ تلك التصورات التي كانت  لديهم.

نحن دوماً بحاجة لمراجعة أنفسنا في ما نملكه من «صور ذهنية»، فالآية الكريمة تحذر من لا يتبيّن بقوله تعالى: «.. فتصبحوا على ما فعلتم نادمين»، فالندم على تسليم العقل لآخرين يصنعونه بطريقتهم، والندم على التجني والظلم، والندم على من وثقنا بحكمه وهو ليس أهله، خاصة وإننا نملك أدوات في التعرف على الواقع من خلال الاتصال والتواصل مع الطرف الآخر لمعرفة الحق والحقيقية كما هي، وليس ما ظنناه حقيقة بينما هو «صورة ذهنية»!

 

د.عادل المكينزي

 

 

makinzyadel@ksu.edu.sa

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA