قبل أن تَبلى «لغتنا» وتَبلى محاسنها!

منذ عدة أيام كنت منهمكة في التنقل والتجول بين مواقع الشبكة العنكبوتية بحثاً عن موضوع معين، ونتيجة للاستطراد في البحث والتجول، والذي ينتهي غالباً بالانهماك في قراءة موضوع لا يمت لموضوع البحث الأساسي بصلة، مررت بهذين البيتين للشاعر المصري القدير حافظ إبراهيم:

فيا ويحكم أبلى وتبلى محاسني

وفيكم وإن عز الدواء أساتي

فلا تكلوني للزمان فإنني

أخاف عليكم أن تحين وفاتي

قرأت القصيدة كاملة، ومنها بيته المشهور في مدح اللغة:

أنا البحر في أحشائه الدر كامن

فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتي

وقرأت شرحاً موجزاً لها، وذكّرني هذان البيتان بالشعور المؤلم الذي انتابني مراراً نتيجة مشاهد مررت بها خلال دراستي الجامعية، كانت مثالاً حياً وصادقاً لما تعاني منه لغتنا الأم في وقتنا الحاضر من إهمال وتقصير شديدين من أبنائها. 

من أبرز تلك المشاهد، والتي ما زالت تتكرر حتى الآن، ما تحويه اللوحات في الجامعة من أخطاء إملائية متكررة، قواعدها كانت وما تزال تُدرس في المرحلة الابتدائية والمتوسطة، كهمزة القطع والوصل، وحذف حرف العلة من الفعل المجزوم وفعل الأمر معتل الآخر.

لا يجب أن يكون هناك همزة تحت الألف في كلمة «استراحة» في اللوحة المكتوب عليها «إستراحة الأطباء»، أو في كلمة «استخدام» في لوحة التحذير من استخدام المصاعد عند الحرائق، أما في اللافتة التوعوية الكبيرة المكتوب عليها «احمي نفسك وعائلتك من فيروس كورونا»، فيجب أن تحذف الياء من نهاية فعل الأمر المعتل«احمِ»، ولن أقول يجب وضع حركة الكسر تحت الميم في المقابل، فذاك مطلب بعيد المنال، ولكن حذف حرف العلة وتصحيح الخطأ البيّن في هذه الكلمات هو أضعف الإيمان بل من أبسط حقوق اللغة علينا. 

ما الفائدة من أن تُدرس هذه القواعد وتُكرر في المراحل الابتدائية والمتوسطة، بل والجامعية، ثم يستهان في تطبيقها حتى في صروح التعليم العالي كجامعة كانت وما زالت تعد من أعرق وأكفأ الجامعات في بلادنا!

ما زلت أذكر أيضاً استنكارنا أنا وزملائي جميعاً لخطأ فادح في عبارة مكتوبة بخط كبير على جدار إحدى المدارس الابتدائية أثناء قيامنا بحملة توعوية فيها، حيث كتب «الماء سر الحياتي»؛ أتصور أنه بإمكان طالبة في الصف الثاني الابتدائي تصحيح مثل  هذا الخطأ! أين المعلمات؟ أين مديرة المدرسة؟ أين المشرفات؟ كيف تتعلم طالبات مثل هذه المدرسة الإملاء وهن يرين الأخطاء الجسيمة؟ لا بد أن يكون هناك من يتحمل المسؤولية وإلا فالوضع سيزداد سوءاً.

ما ذكرته كان مجرد أمثلة بسيطة وراسخة في الذاكرة لعظمتها ووجودها في الصروح التعليمية، وإلا فالأمثلة والشواهد على ذلك كثيرة في الحدائق والشوارع والأماكن العامة وفي كل مكان. 

الحل لهذه المشكلة ليس صعباً أبداً، ولا يتطلب أن يكون الشخص ضليعاً في علوم اللغة، والوصول للمعلومة في وقتنا الحالي أسهل بكثير مما مضى، ففي ظل انتشار الشبكة العنكبوتية وسهولة استخدامها اليوم، يستطيع أي منا التحقق من أي كلمة يشك في صحتها - إملائياً أو نحوياً - وذلك بإجراء بحث سريع في المواقع المتخصصة لا يتطلب منه سوى دقائق.

ما يتطلبه الأمر فعلاً هو إحساس أعمق بالانتماء وشعور أكبر بالمسؤولية، إنه لأمر مخزٍ حقاً ومحزن في الوقت ذاته ما تمر به لغتنا العربية من خذلان وتهاون في حقها، وهي لغة القرآن ولغة الوحي والإسلام، شرفنا الله وأعزنا بها، متى ما نهضت نهضنا ومتى ما سقطت سقطنا، فهلا كنا أهلاً لهذا الشرف!

د. منال فيصل القاضي

كلية طب الأسنان

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA