نتائج «تخيّلية» لفقدان «التخيّل»

فكر خارج الصندوق:

طرحت الكاتبة الكويتية حياة الياقوت فكرة تندرج في إطار ما تدعو إليه هذه الزاوية، وهو التفكير خارج الصندوق، حيث دعت لافتراض عدم وجود «الخيال» أو «التخيل» لدى الإنسان، كيف سيكون حاله حينئذ، وماذا سيترتب على ذلك من نتائج وتبعات وتغيرات.

وقالت: حينها، سنرتاح من أحلام اليقظة، ومن التفكير في العوالم الوردية الحافلة بحياة أكثر حقا وخيراً وجمالاً، وهذا يعني أننا نكون فقدنا وقودنا المحرّك، كما أننا سنتوقف عن الالتزام بالقانون، بدءًا بقانون الجنايات وانتهاء بقانون النظافة في الشوارع، لأننا نكون فقدنا مقدرتنا على تخيّل العواقب التي تحملها أفعالنا.

وأضافت: لو لم نكن نتخيّل، سنتوقف عن التخطيط، فالتخطيط في مجمله تفكير في المستقبل وتخيل لأحوالنا فيه، مما يعني أننا -أفراد ومجتمعات- لن نحسب حساب الغد لأننا فقدنا مقدرتنا على تخيل وجوده، وسيفرح الطلبة الكسالى، لأن مناهج الرياضيات ستُخفف كثيرا، لأنها في مجملها قائمة على افتراضات، وسيُكتفى بتدريس المفاهيم البسيطة مثل الجمع والطرح والقسمة والضرب، وسيكون تدريس الرياضيات في البقالات والأسواق كي يمارس الطلبة العمليات الحسابية مباشرة، إذ سيفقدون قدرتهم على تخيل شيء من قبيل: «افرض أن لدى أحمد 15 تفاحة وأكل 5، فكم يبقى»؟

وأردفت قائلة: كما أن طلبة الثانوية سيُعفون من منهج الفلسفة والمنطق، فالمنطق فيه شبهٌ كبير بالرياضيات، ويعتمد كثيرًا على التجريد والتخيل، والفلسلفة كذلك فيها افتراضات ونبش في عالم الأفكار والخيال، علما بأن هذا لا يمنع الناس من أن يتفلسفوا «أي أن يتفذلكوا»، لكن الفلسفة الحقة، بمفهومها السامي والمهم للنمو الفكري والحضاري للمجتمعات، ستوأد شر وأد.

واستنتجت كذلك أن منهج التاريخ سيُلغى، لأنه الطلبة وحتى المدرسين لن يستطيعوا الذهاب بخيالهم إلى الماضي لتخيل أن هذا الحدث تم آنذاك، ولا يمكن التعويض عن ذلك بأفلام سنمائية مثلاً، لأن المخرجين والمؤلفين أيضا سيكونون قد فقدوا المقدرة على تخيل أنه يمكن أن يحدث شيء في الماضي أو المستقبل، فإذا ضاع الخيال، حبس المرء في حلقة الحاضر وفي إسار اللحظة.

وطمأنت الأستاذة حياة الياقوت، طلبة المواد العلمية والكسالى منهم بشكل خاص، أن جميع موادهم ستُلغى عن بكرة أبيها، بل إن البحث العلمي كفكرة لن يكون هناك طائل منه، فالفرضيات شيء لن يستوعبه العقل البشري إذا غاب الخيال، والنظريات لا يمكن أن تولد من خارج رحم الخيال الخضب.

قالت: بل يمكنني التطرف والقول إن النظام التعليمي برمته يصل إلى حالة من الوجوم والتبلّد، وسيرتكز أساساً على الاستثمار في الذاكرة، وسيكون الحفظ والتسميع لكل شيء هو الطريقة الوحيدة للتعلم وللتقويم، وحينها سنتوقف عن جميع أنواع الصناعات –الخفيفة منها والثقيلة- لأنه لن يعود بمقدورنا أن نتوقع ونتخيل السلوك المستقبلي للآلات من أعطال أو من حاجة للتطوير، فمن الأسلم ألا نصنع.

وذهبت إلى ما هو أبعد من ذلك لتقول أن صناعة أفلام الكارتون ستندثر تمامًا، والقطاع الطبي سينهار نتيجة انهيار البحث العلمي والتصنيع، وحتى الحلاقين والقوابل لن يجرؤوا على القيام بأية مهام طبية، فمن يضمن السيناريوهات، ومن يمكنه أن يخطط لأي طارئ، وسيعتمد البشر على طريقة «طبب نفسك بنفسك، وعالج نفسك على مسؤوليتك»، وسيعلق بيت الشعر العربي «ما حك جلدك مثل ظفرك *** فتول أنت جميع أمرك» سيعلق في كل الأماكن، وذلك لتبرئة ساحة الأطباء من الاضطلاع بمهام الطبابة.

وختمت بالقول: كثير من الأمور ستحدث، لكن خيالي ما عاد يسعفني، لأني اكتشفت للتو أننا فعلاً قوم –تقريباً- لا نتخيّل، ولا جدوى بالتالي من أن نتخيل الوضع إن نحن لم نتخيل!

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA