الشباب والتفاخر «الهياط» 

زاوية: شبابنا

قال تعالى «وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ* وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِير». سورة لقمان.

انتشرت خلال السنوات القليلة الماضية ظاهرة التفاخر «الهياط» في المجتمع السعودي بشكل مخيف، نسأل الله تعالى السلامة، وهذه الظاهرة الإنسانية لها جذور تاريخية بعيدة المدى، تقل وتزداد على فترات زمانية متعاقبة، ويلجأ إليها البعض في محاولة بائسة للرفع من مكانتهم الاجتماعية بطريقة استفزازية وبتصرفات سلبية تجعلهم عرضة للانتقاد من جانب العقلاء.

وتتمثل هذه الظاهرة بالتفاخر والمباهاة وتبذير الأموال والإسراف، مما يعكس صورة سيئة عن المجتمع السعودي لدى المجتمعات الأخرى، وقد تطورت أساليب التفاخر «الهياط» من المبالغة في أسعار الإبل والأغنام والدواجن وحمل السلاح في مناسبات الأعراس لتصل إلى غسيل اليدين بدهن العود الثمين، وغلي الأوراق النقدية مع القهوة، مما تثير الدهشة.

وتتمحور ظاهرة التفاخر «الهياط» لدى الشباب تحديداً في إثبات الذات في الغالب، فالتفاخر يبدأ بالسيارات والتفحيط، ثم الدخان، والمقاهي، والجوالات، والإكسسوارات، وصولاً للمجاهرة بالمحرمات.

وعندما نبحث عن أسباب هذا التفاخر «الهياط» ولماذا يلجأ إليه الشباب، نجد العديد من الدراسات العلمية تشير إلى أن العجز، والفقر، والضعف، وقلة الحيلة، والوضع الاجتماعي؛ من أهم الأسباب التي تجعل الشاب يلجأ إلى التفاخر، فعندما يكون عاجزاً عن مجاراة التقدم يتفاخر بما فعله أجداده، وحينما تنعدم مادة يومه يتفاخر بما يعتقد أنه يملكه، وعندما يضعف عن منازلة المبدعين يتفاخر بما هو ليس أهلاً له.

ويرى بعض العلماء أن التفاخر «الهياط» لدى الشباب لا يخرج عن صنفين: أحدهما اعتاد المال وعاش على التباهي والتفاخر به، فيظهر ذلك في ملابسه الثمينة وسيارته الفارهة ومأدبته الفاخرة، فعمله من باب عمل قارون الذي خرج على قومه في زينته، أما الصنف الثاني فهو صنف مكبوت أو مقموع وصل لهذه الحالة أو الموقف بطريقة أو بأخرى كحيلة دفاعية يصف بها تساويه مع الآخر ومجاراته لهم.

إن الشاب عندما يمارس التفاخر «الهياط»، قد يلجأ إلى العدوانية والإجرام واتباع الجنوح والجريمة في سبيل الوصول إلى سلم الطبقات العُليا في المجتمع، وذلك لشعوره بالدونية وإحساسه بألم الفقر، وهذا مؤشر خطير. كما أن الشاب الذي أنعم الله عليه بالمال ولم يحسن استخدامه؛ فإن مصيره العقاب من الله، ولنا في قصة قارون التي ذكرت في القرآن الكريم آية وعبرة، وأن كثرة المال ليس دليلاً على رضا الله جل جلاله عن صاحبه.

وأخيراً، يجب أن نعترف أن ظاهرة التفاخر «الهياط» لدى الشباب من الأمراض الاجتماعية المؤلمة، والتي تنخر في جسد المجتمع، وعلينا الاعتراف بوجودها، وبانتشارها الكبير، والعمل بجد مع الشباب فهم مصدر الانطلاقة للأمة، وبناء الحضارات، ويملكون طاقات هائلة لا يمكن وصفها، والاستثمار فيهم أولى وأهم، وإلى اللقاء.

د. علي بن أحمد السالم 

المدينة الطبية الجامعية

alisalem@ksu.edu.sa

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA