اللياقة الاجتماعية هي احترام النفس واحترام الآخرين وحسن التعامل معهم، كما أنّها سلوك اجتماعي يساعد على انسجام وتلاؤم الناس مع بعضهم بعضاً، ومع البيئة التي يعيشون فيها، فهي مفهوم إنساني وحضاري راق، فالحضارة ليست عبارة عن مجرد يسر مادي من سيارة فارهة أو زينة في الملبس فقط، لكنها بالدرجة الأولى تعامل إنساني راقٍ.
والإنسان مخلوق اجتماعي بطبعه، يميل إلى المشاركة والعيش في جماعة، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: «إنّ الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم» رواه الترمذي. وقال صلى الله عليه وسلم: «المؤمن يألَفُ، ولا خير فيمن لا يألَف ولا يُؤلَف» رواه أحمد.
ولكي يتمتّع الإنسان بالسلوك السليم يجب عليه الالتزام بالقواعد والمبادئ التي تنظم هذا السلوك، والتي تبدأ بتهذيب العقل والقلب، فهما موطن الإحساس الأول، ويجمع خبراء اللياقة الاجتماعية على وجود عدة أعمال يصعب على الإنسان أن يروض نفسه عليها، ومنها أن يقلع عن عادة قبيحة راسخة، ويفكّر بطريقة منطقيّة، ويعترف بجهله، ويتريّث في إصدار أحكامه، وينتظر دون أن ينفد صبره، ويعاني دون شكوى، ويصمت في الوقت المناسب.
إن بعض الشباب اليوم يفتقدون فن اللياقة الاجتماعية، وما نشاهده من بعضهم في حياتنا اليومية سواءً في الأماكن العامة أو في المدارس والجامعات، يحتاج إلى تنبيه وتوجيه ومعالجة، وأياً كانت الأسباب والعوامل التي أدت إلى هذه النتائج فإن هناك حاجة إلى حل وإعادة نظر ومراجعة سياسات التعليم والتنشئة الاجتماعية.
الاهتمام بالمشاريع التنموية العمرانية والمادية والإنفاق عليها أمر جيد ومطلوب، لكنها لا تكفي وحدها لتحقيق التقدم؛ بل لا بد أن يرافقها اهتمام بالتنشئة الدينية والأخلاقية، وتهذيب سلوك الشباب وزرع القيم والمبادئ في نفوسهم وسلوكهم، ويمكن أن يتم ذلك من خلال مقررات دراسية تعلم اللياقة الاجتماعية من بداية المسيرة التعليمية إلى التعليم الجامعي.
في اليابان على سبيل المثال، يركز النظام التعليمي بشكل كبير على تنمية الشعور بالجماعة والمسؤولية لدى الطلاب تجاه المجتمع، بدءاً بالبيئة المدرسية المحيطة بهم، والمحافظة على المباني الدراسية والأدوات التعليمية والأثاث المدرسي، وصولاً إلى الأماكن العامة كالحدائق والطرق والشواطئ، وكثيرًا ما ينضم إليهم المدرسون في أوقات معينة «تطبيق عملي»؛ هذا النظام لا يعوّد الطلاب على الروح الجماعية فحسب، بل على القيادة وتعزيز اللياقة الاجتماعية لديهم.
لا شك أن شبابنا فيهم الخير والبركة، ولديهم قبول للتوجيه والتهذيب من خلال مقررات دراسية من هذا النوع، ولعل القيادة العُليا بجامعة الملك سعود أن تتنبه إلى هذا الأمر بإقرار مقررات دراسية تعلم فن اللياقة الاجتماعية، جنباً إلى جنب مع مقررات تنمية مهارات الذات التي تدرس حالياً في السنة الأولى «التحضيرية» «عرب، نهج، علم، صحة، تقن».
وأخيراً، إن تعليم وتعزيز اللياقة الاجتماعية أمر في غاية الأهمية للجميع، وللشباب على وجه التحديد، من أجل سلامة وصحة الإنسان والمجتمع؛ لأن جسد الإنسان يحتاج لياقة بدنية، وجسد المجتمع يحتاج لياقة اجتماعية، وإلى اللقاء.
د. علي بن أحمد السالم
المدينة الطبية الجامعية
إضافة تعليق جديد