يقول د. فراس السليتي في كتابه «التفكير الناقد والإبداع»: كشفت الدراسات التي أجريت في الربع الأخير من القرن العشرين عن وجود علاقة وثيقة بين التفكير الناقد والإبداع، ورغم أن الباحثين في التفكير الناقد يرون أنه يتضمن سياقين متداخلين هما: سياق الاكتشاف الذي يعد الجانب الاختراعي الإبداعي، وسياق الاستدلال الذي يتمثل في تقديم الحجج والأدلة، إلا أن هناك من يرى أن الإبداع نتاج لمجمل العمليات العقلية للتفكير الإنساني في تفاعلها وهو قمة الهرم فيها.
وفي هذا الإطار يعتقد عدد من المفكرين أن التمييز الواضح بين التفكير الناقد والتفكير الإبداعي أمر مستحيل، فجميع أشكال التفكير الجيد تتضمن تقييماً للجودة النوعية وإنتاج ما يمكن وصفه بالجدة، وانشغال الدماغ بعملية تفكير مركبة دون دعم من عملية تفكير مركبة أخرى أمر يصعب قبوله، فأصحاب لتفكير الناقد يولدون أفكاراً لتقويم صدقها وصلاحيتها للاستخدام.
ويعد بعضهم أن التفكير الناقد تقويمي وأن التفكير الإبداعي توليدي، لكن هذين النمطين من التفكير ليسا متناقضين بل إنهما يكملان بعضهما البعض، ولقد أظهرت النتائج وجود ارتباط واضح وقوي بين التفكيرين وعارضت أي اعتبار يرى أن هذين المنحيين للتفكير غير مرتبطين لأن حل المشكلات يستدعي استخدامها معاً فالإبداعية غير مقتصرة على اكتشاف حلول جديدة للمشكلات فحسب بل تتعدى ذلك إلى إيجاد حلول أفضل لهذه المشكلات؛ الأمر الذي استدعي استخدام التفكير الناقد للمقارنة بين الحلول أو اختيار الأفضل منها.
وباختصار فإن التعليم الذي يبنى على نوع واحد من أنواع التفكير يعد تعليماً ناقصاً وغير متوازن، والمعنى الحالي للتفكير يتضمن الجوانب الناقدة والإبداعية من العقل، حيث يستخدم كلاهما المنطق وتوليد الأفكار وتأمل ما وراء المعرفة وصياغة المشكلة وحلها أو اتخاذ القرار وقياس المعلومات واستخدام المعلومات السابقة ومهارات الاتصال.
وإذا كان التفكير الإبداعي يشير إلى القدرة على خلق أفكار جديدة وأصيلة واستلهامها، فإن التفكير الناقد يظهر في تقييم الأفكار الإبداعية والفائدة المتحققة من تطبيق تلك الأفكار على المستويين النظري والعملي، وإذا كان التفكير الإبداعي يربط بين الأسباب والنتائج بناءً على توافر معلومات كثيرة، فإن التفكير الناقد يعمل على تقديم التعليل أو البرهان لتفسير المطروح.
وهناك ما يشير إلى أن عمليات التفكير الناقد والتفكير الإبداعي تشكل نسيجاً من القدرات والمعارف والقيم والاتجاهات و المهارات والعلميات، وتتطلب المعرفة انعكاسات ناقدة وإبداعية من موضوع إلى آخر، بينما تظل القيم والاتجاهات ثابتة في الموضوعات المدرسية، وتعتمد المهارات والعمليات على أحداث الموضوع المحددة، وهي متطلب في كل الموضوعات من أجل الإنجاز.
ومهما تكن حقيقة العلاقة بين التفكير الإبداعي وغيره من صور التفكير الأخرى، فمن الواضح تماما أن هذين النوعين يرتبطان ارتباطا وثيقا وهما يجريان معا يداً بيد وخطوة بخطوة، والإبداع ليس مجرد أمر مختلف من أناس آخرين، وإنما هو أمر يتصل بتناول أفكار مختلفة في عملها عما سبق من الأفكار الأخرى، وليس أدل على طبيعة هذه العلاقة من القول «عندما يفشل التعقل ينقذك التخيل، وعندما يفشل الحدس سينقذك الاستدلال».
وبغض النظر عن نوع العلاقة الرابطة بين نوعي التفكير الناقد والإبداعي، فإن أحداً لن يعترض على عدّ الهدف من تقسيم التفكير إلى أنواع هو تسهيل مناقشته وتعليمه وتنميته لدى الناشئة وفق متطلبات العصر الحالي.
إضافة تعليق جديد