الشباب والاغتراب الاجتماعي 

زاوية: شبابنا

الاغتراب مفهوم له ماضٍ عريق ومتجذر في تاريخ الفكر الإنساني، ويعني ببساطة حالة من الانفصال أو الغربة أو الاستلاب؛ بمعنى إحساس الإنسان بأنه ليس في بيته أو موطنه أو مكانه.

وللاغتراب الاجتماعي مظهران أساسيان، الأول الاغتراب بمعنى الارتحال إلى مكان آخر بقصد الحصول على لقمة العيش، أو رفع مستوى الدخل، أو العلاج، أو التعليم أو ما أشبه ذلك؛ أي الانتقال الجغرافي من موطن إلى موطن، ومن أسلوب حياة إلى أسلوب حياة، ومن ثقافة إلى ثقافة.

الثاني الاغتراب بالدلالة الوجودية، أي عدم فهم الإنسان لما يجري في نفسه، وفي محيطه الاجتماعي، مما يؤدي إلى الانعزال والانسحاب، وعدم المشاركة في التخطيط لحياته ومستقبله، وفي إدارة شؤون مجتمعه، وقضايا واقعه الذي يعيشه. 

هذا الاغتراب في مظهره الثاني تحدثنا عنه في مقال سابق بعنوان «الشباب والعزلة الاجتماعية» العدد رقم «1253»، واليوم نتحدث عن الاغتراب في شكله الأول، وهو الانتقال من منطقة جغرافية إلى أخرى، وتغيير محل الإقامة ولو لفترة محدودة.

إن الله سبحانه وتعالى أمرنا أن نسير في الأرض، وأن نضرب في نواحيها باحثين عن كنوزها، وأن نتعلم العلوم النافعة، وأمرنا أن نكد ونكدح في طلب الرزق، قال تعالى: «هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ»، سورة الملك: 15، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة» أخرجه مسلم. 

الشباب اليوم لديه قلق وتخوف من المستقبل، وهاجس في بعض أمور الحياة؛ كعدم الحصول على وظيفة أو إكمال المسيرة التعليمية، وهذا أمر طبيعي بل مؤشر على وعي الشباب بما يدور حولهم، ولكن غير الطبيعي هو أن بعض الشباب تتاح له فرص وظيفية أو إكمال تعلمه على سبيل المثال خارج إطار محيطه الاجتماعي المحلي، ويرفض الانتقال حتى داخل البلاد بحجة البعد عن الأهل والأصحاب. 

لا شك أن الاغتراب في الحقيقة ليس شيئاً سهلاً، ومع ذلك له عدة فوائد قد تخفى على الشاب، ولا يكتشفها إلا بعد خوض التجربة؛ كإدارة المال، وتقدير الحياة لأن الفرد لا يعرف قيمة الشيء إلا عندما يخسره؛ ففي الغربة سوف تواجه العديد من المصاعب التي لن تواجهك خلال وجودك بين أهلك، وسوف تتعلم قدر الأشخاص الذين يحيطون بك. 

إن التنازل عن البعض الأشياء كالبعد عن الأهل في بداية الحياة أمر طبيعي، وينبغي على الشباب أن يسعى لتحقيق أهدافه مهما كلفه الأمر من تضحيات من أجل بناء مستقبل مشرق بمشئية الله تعالى، وتذكر يا أيها الشاب أن هناك شباباً اغتربوا، وصبروا وفازوا بتحقيق أهدافهم، وهم ليسوا أفضل منك.

أخيراً، نستطيع القول إن الاغتراب في صورته الأولى ظاهرة صحية، وحث الدين الإسلامي عليها، أما الاغتراب في شكله الثاني فهو مرض اجتماعي محيط بالشخص، وينعكس سلباً على سلامة وصحة المجتمع ككل، وخاصة فئة الشباب، وإلى اللقاء. 

د. علي بن أحمد السالم

المدينة الطبية الجامعية

alisalem@ksu.edu.sa

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA