«لقد تحولت معظم جامعاتنا إلى مؤسسات بيروقراطية متضخمة إدارياً وتنظيمياً، فغابت المرونة الإدارية عنها وضعف التركيز على المشاريع والبرامج النوعية، وهي إلى ذلك تعاني من تضخم في أعداد الطلاب والطالبات بما يفوق طاقتها الاستيعابية، مما أثر سلباً على قدرتها على التركيز على الجودة الأكاديمية في التدريس وعلى قدرتها على التنافس في مجال البحث العلمي، فضلاً عن أنها لاتزال تقبل أعداداً كبيرة من الطلاب والطالبات في مجالات لم يعد لها احتياج في سوق العمل، فمخرجات الجامعات اليوم تحتاج إلى تطوير في مستوى مهارات التفكير النقدي وحل المشكلات والمهارات الشخصية، وإلى مزيد من المواءمة بين تخصصاتها وبرامجها وبين احتياجات سوق العمل، وقد أضحت جامعاتنا ضعيفة في قدرتها على تحويل جهود البحث العلمي والابتكار إلى منتجات اقتصادية تدعم الاقتصاد الوطني، فضلاً عن أنها لا زالت تعتمد على مصدر وحيد للتمويل وهو التمويل الحكومي».
هذه اقتباسات سريعة «وبتصرف» من كلمة معالي وزير التعليم د. أحمد العيسى في حفل افتتاح المعرض والمؤتمر الدولي للتعليم العالي في دورته السابعة، والذي عقد في الفترة 15 - 18 رجب 1438هـ وبرعاية كريمة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله –.
لقد كان الوزير واضحاً وصريحاً، وجاءت المكاشفة منه علنية في مؤتمر شاركت فيه 380 جامعة ومؤسسة تعليمية من 30 دولة وتحت أنظار 29 متحدثاً من خبراء دوليين ومحليين!
هل كان هذا تشخيصاً دقيقاً لأدواء وعلل التعليم العالي، وهل هو فعلاً يعيش جملة أزمات حقيقية سماها الوزير تحديات، ولنا أن نتسأل أين نحن اليوم بعدما قطعنا نصف المشوار منذ اعتماد الخطة المستقبلية للتعليم العالي في المملكة «آفاق» والتي قُدِّر لها أن تستمر لمدة 25 عاماً للفترة من 2005 الى 2030، والتي كان من أهدافها خلق التنافسية على الريادة العالمية والمساهمة بفاعلية في بناء المجتمع المعرفي وتعزيز جودة البرامج الأكاديمية وتلبية حاجات سوق العمل وتنويع مصادر التمويل للجامعات السعودية، هل ما زالت هذه وغيرها في حكم التحديات اليوم بعد أكثر من عقد من الزمان؟
من المؤكد هنا أن المؤتمر عقد تحت شعار «الجامعات السعودية ورؤية 2030.. المعرفة وقود المستقبل» مما يشي بأن المؤتمر يعنى في الأساس بالبحث عن دور الجامعات في تحقيق رؤية المملكة 2030، وبالتالي الارتقاء بالجامعات السعودية إلى المشهد العالمي والتي نصت الرؤية فيه على أن تصبح خمس جامعات سعودية ضمن أفضل 200 جامعة في العالم بحلول عام 2030.
الرؤية في منظورها التعليمي تسعى إلى خلق اقتصاد معرفي ضمن الحلول النوعية للاقتصاديات غير النفطية، وبمعنى آخر تحويل البحوث العلمية في المؤسسات التعليمية إلى منتجات اقتصادية تؤمن مصادر تمويل جديدة للجامعات، ومن ثم تحسين الكفاءة المالية لها، إضافة إلى السعي إلى مواءمة مخرجات التعليم الجامعي ومتطلبات سوق العمل المتجددة؛ عن طريق توفير كوادر مؤهلة معرفياً ومزودة بالمهارة العالية والتفكير الخلاق المبدع، وبالتالي ردم الفجوة بين الجامعات وسوق العمل والتي ما فتئ المتحدثون في المؤتمر من التأكيد على هذا الهدف والدعوة إليه.
نحن اليوم أمام نظام جديد للجامعات لم يفصح الوزير عنه بإفاضة؛ باعتبار أنه ما زال في دائرة النقاش في الجهات العليا ذات العلاقة، لكن هذا النظام سيمنح الجامعات مزيداً من الاستقلالية أكاديمياً وإدارياً ومالياً؛ كما أشار إلى ذلك معاليه، إضافة إلى وضع استراتيجية متكاملة للتعليم تشمل -كما ذكر معالي الوزير- رسم خريطة طريق جديدة للتعليم العالي.
وبعد، هل نحن بحاجة إلى خريطة جديدة ونظام جديد واستراتيجية جديدة للتعليم العالي؟ هل أخفقنا في «آفاق» حتى أصبحت بالية ومتأخرة عن متطلبات وسباق المعرفة اليوم؟ ما أوجه القصور في «آفاق» ومَواطن العجز والخلل فيها؟ أم أن الرؤية الجديدة للتعليم العالي ما هي إلا امتداد طبيعي لما سبقها من إنجازات وخطط لاستشراف مستقبل التعليم العالي وجاء الجديد منها لتدارك العجز الذي أصاب القديم وتصحيح الفهم الذي قصرت عنه أحلام القديم وقد يكون القديم ضاق مقاساً أو بلي من كثرة الاستخدام!
إن أعظم تحدٍ سيواجه التعليم مستقبلاً هو تأمين مقعد دراسي لكل طلاب التعليم العام والتعليم الجامعي، حيث أشار تقرير شركة بي دبليو سي السعودية، كبرى الشركات في تقديم الخدمات الاستشارية والمهنية في مارس 2017 أنه «بحلول عام 2020، من المتوقع أن تحتاج المملكة العربية السعودية إلى أكثر من مليون مقعد دراسي جديد للمراحل الدراسية من الابتدائية وحتى الثانوية، وحوالي 125,000 مقعد إضافي في مرحلة التعليم ما بعد الثانوي». ماذا سيقدم القطاع الخاص لسد الفجوة في فرص التعليم فضلاً عن القطاع الحكومي!
د. عبدالإله الحيزان
كلية العلوم - قسم الكيمياء
إضافة تعليق جديد