دور مراقب الاختبارات في مواجهة «حالات الغش»

لاحظتُ من خلال عملي في التدريس ومراقبة الاختبارات لفترة طويلة، أن بعض الطلبة يدخلون قاعة الاختبار بِنيّة مبيَّتة للغش، فيجلسون في وضع معين؛ كتهيئة أولية ليسهل عليهم التواصل أثناء الاختبار؛ بالكلام الخافت، والإشارات المتفق عليها، وما إلى ذلك.

مثل هذه المجموعة التي تضم طالبين أو أكثر، من اليسير على المراقب الحريص كشفُ أمرها من البداية، والواجب عليه إزاء وضع كهذا تغيير أماكن جلوسهم؛ بحيث يباعد بينهم بالحد الأقصى الذي تسمح به ظروف القاعة، مع زجرهم وتحذيرهم من مَغبة التَّكرار.

وغالبًا ما يؤدي هذا التهديد إلى النتيجة المتوخَّاة، والأهم من ذلك أنها تمنح الطالب الفرصة لإعادة تركيز أفكاره المشتتة من جديد في الأسئلة، وقراءتها بجد أكبر، لعله يتمكَّن من إجابة بعضها، بدلًا من إضاعة وقته في محاولات التواصل مع زملائه، للحصول على إجابات بطرق غير مشروعة، إضافة إلى أن زميله الذي يسعى للحصول على مساعدته قد لا يكون أفضل منه حالًا، كما في كثير من الأحيان.

وفي حال لم يفلح ذلك وأصر أحدهم على تكرار المحاولة، فيجب تهديده بإيقاف اختباره، وسحب ورقة إجابته لبعض الوقت؛ كعقوبة أولية مناسبة، ثم سحبها نهائيًّا، وإخراجه من القاعة إن عاد لمحاولة التواصل والغش من جديد.

يمكن كذلك اللجوء إلى تبديل أماكن جلوس جميع الطلاب قبل بداية الاختبار، بإعادة ترتيبهم بشكل عشوائي من جديد، حسب رغبة المراقب؛ كإجراء احترازي، وهذا يساعد كثيرًا على تقليل فرص الغش المحتمَلة من البداية، إن شك المراقب في ذلك.

أما في حالات الغش التي يضبط فيها مع الطالب وسائل غشٍّ مادية؛ كالأوراق المصغرة، أو الكتابة على اليد أو الكرسي أو الجدار، أو استخدام أجهزة إلكترونية؛ كبعض الحاسبات، أو الجوالات وغيرها، مما يتفنن البعض في ابتكارها، ويهدر وقته في ذلك بدلًا عن تكريسه في الدراسة والاجتهاد؛ فإن الواجب مصادرتها من الطالب، وإيقاف اختباره، وإعطاؤه ورقة إجابة خالية، ليبدأ من جديد، إن قدر المراقب أن وسيلة الغش بسيطة ولم يستفد منها آخرون غيره.

أما في حال ثبت للمراقب أن وسيلة الغش خطيرة، فالواجب إيقاف اختبار الطالب المخالف، وإحالته إلى اللجنة الخاصة بعقوبات الغش؛ لمواجهة عقوبة أشد قسوة، ونادرًا ما تصل الأمور إلى هذا الحد.

إن أبرز ما يجب على المراقب مراعاته - بشكل عام - هو عدم التساهل مطلقًا في موضوع الغش، مهما بدَت المحاولة من قِبل أحدهم بسيطة، وأنها لن تسفر عن أي فائدة لصالح الطالب، كما يحلو للبعض تبرير ذلك، فهذا تبرير غير مقبول، ويشير إلى أن المراقب لا يقوم بواجبه المنوط به على الوجه الأكمل.

من الواجب ألا تمر أي محاولة للغش يرصدها المراقب دون تحذير وتهديد بإيقاف الاختبار؛ لأن الطالب قد يتمادى إذا شعر أن لدى المراقب أدنى قدر من التراخي، فيكون ذلك بمثابة إشارة خاطئة من المراقب يُساء فهمها مِن قبل الطلبة، وفي ذات الوقت على المراقب عدم المبالغة والإفراط وتطبيق العقوبة القصوى لأي محاولة غش، قبل التهديد والتحذير، وإعطاء الطالب فرصة واحدة على الأقل، فمثل هذا الإجراء يكون مجديًا في أغلب الحالات.

أما أنت عزيزي الطالب - في المرحلة الجامعية على وجه الخصوص - فإنك دون شك تُدرك وتعي تمامًا حرمة الغش شرعًا، ومخالفته لقوانين الدراسة، ولستَ بحاجة لمن يُذكِّرك بهذا، بقدر ما أنت بحاجة إلى مراجعة نفسك، إن كنت ممن يقبلون الغش وسيلة لتحقيق نجاح، أو الحصول على تقدير غير مستحق، فإنك إن أفلتَّ من العقاب مرة أو أكثر، فالمصير أن يطولك في نهاية المطاف، وتندم على ما فرطت به من وقت ثمين، في دراسة واجبة عليك ولازمة لمستقبلك، بدلًا من سلوك هذا الطريق غير القويم، وضَعْ في حسابك أن مَن يُمارِس الغش أثناء الدراسة لن يمانع مستقبلًا أن يقبله وسيلة في عمله وكل شؤون حياته، فهل ترضى أن تكون من هؤلاء؟!

أ. عاهد الخطيب

كلية العلوم

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA