الخريجون وصناعة الفارق

 

 

في لحظة خاطفة يميل بجذعه للأمام حتى يلامس خط النهاية قبل المنافس الذي يحاذيه بالكتف والقدم، فينهي سباق الجري الطويل لصالحه ويصنع الفارق، يسدد قذيفة بكرة مجنونة في الثواني الأخيرة من الوقت بدل الضائع والحكم يهم بإطلاق صافرته، فتستقر في مرمى الخصم لتعلن هدف الفوز وتنتهي المباراة ويصنع الفارق.

تصيبك الحيرة في اتخاذ قرار الشراء بين سلعتين استوفت كلاهما المواصفات التي تريدها، فتختار في الأخير إحداهما تلك التي صنعت الفارق في قرارك، تتناثر كراسات وملفات المتقدمين في الهواء غير مقبولين بحجة عدم اللياقة لسوق العمل وتظفر أنت بمقعد وظيفي تنافسي شريف وعندها فقد صنعت الفارق.

كيف يصنع خريجو الجامعات اليوم الفارق في سوق العمل؟ ما القيمة المضافة التي يملكها أحدهم للفوز بمقعد وظيفي في القطاع الخاص؟ ما الجوانب الجوهرية والفارقة في شخصيتك والتي تميزك عن الآخرين حتى تسوّق لها في مقعد تنافسي في سوق العمل بشقيه الحكومي والخاص إذا تقدم الجميع بوثائق تخرجهم الأكاديمية وسجل مهاراتهم الشخصية؟ بمعنى آخر ما الذي يصنع الفارق بين شخصيتك والآخرين في سباق الحياة؟!

لم تعد المؤهلات العلمية فقط هي الحكم والقضاء الفصل في الظفر بوظيفة في سوق العمل، بل تعددت متطلبات المقعد الوظيفي خاصة في ظل تدفق أعداد كبيرة من خريجي الجامعات وتنوع حاجات سوق العمل واشتراطاته، وفي ظل عجز القطاع الحكومي عن استيعاب هذه الأعداد الكبيرة من الخريجين، وتردد القطاع الخاص في إحلال أبناء الوطن في وظائفه بحجة عدم الكفاءة والتأهيل حتى اصطنعوا لنا فزاعة يخوفوننا بها سموها الفجوة أو الهوة بين مخرجات التعليم واحتياجات السوق، وكأن أرباب العمل هؤلاء جاءوا من كوكب آخر أو ولدوا وعلى جبينهم كتب صالح للعمل! في حين أن مخرجات التعليم المؤهلة بل والعائدة من ابتعاث الخارج تكاد لا تجد مقعداً في القطاع الخاص، والواقع ولغة الأرقام شاهدة على ذلك، ناهيك أن معدل البطالة في السعودية خلال النصف الثاني من عام 2015م هو 11.5% أي أن أكثر من نصف مليون من إجمالي قوة العمل من الشباب والفتيات كانوا في انتظار فرصة عمل كريمة.

بالرغم من هذا كله ما زال هناك فرص واعدة حسب رؤية المملكة 2030 والتي تسعى إلى توطين الصناعات العسكرية بما يزيد عن 50% من الإنفاق العسكري بحلول 2030، وخلق 90 ألف فرصة عمل في قطاع التعدين بحلول 2020، وما يقارب 7000 وظيفة في صناعات الطاقة المتجددة.

حتى تصنع الفارق في السوق وتظفر بمقعد وظيفي متميز وتصنع لنفسك مسارًا آخر في هذه الحياة، لا بد أن تستثمر في نفسك بشكل أكبر من أي أحد آخر، ولتعلم أن التفاصيل الصغيرة والتحسين المستمر يصنعان الفارق، ثق بنفسك أنك تستطيع صناعة الفرق، فلا تتوقف أو تتراجع بل استمر في صناعة نفسك من جديد ولا تعوِّل على أحد أو جهة في ذلك.

انغمس من مفرق رأسك الى شحمة أذنيك في تطوير مهاراتك الشخصية، تعلم فنون الاتصال والتواصل وكيف تعمل ضمن الفريق الواحد، انخرط في جلسات التفكير الناقد والإبداعي وحل المشكلات، كن شغوفًا ومتحمسًا في بناء شخصيتك من جديد إلى أن تصبح قادراً على العمل تحت الضغوط متحلياً بالمرونة والاتجاه نحو التطوير المستمر، وليكن لك نصيب جيد من اللغة الإنجليزية فإنها تصنع فارقاً عند القوم، واعلم أن ذلك كله لا ينفع إن لم يكن أسلوب حياة وصبغة لشخصيتك تميزك عن الآخرين.

قد لا يستطيع بعضنا إلى ذلك سبيلاً، فلا بأس فالمقعد الوظيفي ليس نهاية المطاف أو خيارنا الأوحد، المهم أن لا نصاب بالإحباط والخذلان عند توالي إخفاقاتنا في طلب أمر ما، لا بد أن نستمر في معركة الحياة واكتساب المهارات والقدرات الجديدة.

د. عبدالإله بن إبراهيم الحيزان

كلية العلوم

قسم الكيمياء

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA