إن مما يبهر ويثبت عظمة الخالق جل وعلا، أنه كلما تقدم العلم الحديث عجز العلماء عن كيفية إدارة حركة الحياة في الكون ومنها هذا الجرم الصغير المتمثل في جسم الإنسان ونفسه (وفي أنفسكم أفلا تبصرون)
ومما هو معلوم أن الإنسان يحتاج في هضم المواد الغذائية وتفتيتها إلى أجهزة معقدة ودقيقة وقوية ولا تتأثر بمكونات الطعام القلوية والحمضية الطبيعية، والأعجب أن هضم معظم تلك المواد الغذائية يحتاج إلى درجات حرارة عالية تفوق الـ 100 درجة مئوية، ولكن هذا مستحيل أن يتعايش هذا الجسم مع أكثر من 37درجة مئوية، فصنع لنا المولى عز وجل الإنزيمات (المحفزات) وهي مركبات كيميائية تساعد على عملية الهضم وتسريعه دون الحاجة إلى رفع درجة الحرارة، ويسمى هذا التفاعل الداخلي (طارد للحرارةExothermic reaction) ولا تحتاج تلك الإنزيمات إلى رياضة خارجية (ماص للحرارة (Endothermic reaction
ولا نقلل هنا من أهمية الرياضة المستمرة والحركة الإرادية ودورها في تعزيز حيوية الجسم ومقاومته للأمراض، بل كانت وما زالت هي الدينامو والمحرك الصحي لجسم الإنسان ونشاطه، وتلك الإنزيمات الكيميائية ذات الصنع الإلهي لا تتفاعل مع المركبات الكيميائية الداخلة في عملية الهضم، وبعض تلك الإنزيمات تحتاج إلى ظروف مناسبة لها كي تقوم بهذا الدور، وإلا فإن وظيفتها لا تتم 100% بالطريقة الصحيحة المتبعة بنظامها الغذائي.
وتظهر لنا هنا الحكمة من الصوم الذي فرض وسن - ضمن أهداف وحكم كثيرة - ليعطي لهذه الإنزيمات بل وكل أجزاء وأعضاء جسم الإنسان فترة نقاهة وتجديد نشاطها الكيميائي والحيوي للتخلص من السموم المتراكمة التي تسبب فتوراً وقصوراً في بنية الجسم، بل وتنشط الرتابة في النظام الغذائي والفسيولوجي له.
كما لا ننسى أن تلك الهرمونات الكيميائية والحيوية التي تقوم بوظائف معقدة لا نستطيع نحن الكيميائيون أن نقوم بها في مختبراتنا العلمية والعملية بالرغم من توفر جميع الإمكانيات في التخصص والأداء، حيث إنها تقوم بإفراز هرمونات مضادة في عملها كإفراز هرمونات السعادة والفرح والاطمئنان والخوف والغضب في أقل من ثانية، وكل هرمون له تخصصه في عملية حيوية وكيميائية معقدة يصعب تفسيرها، فسبحان الخالق العظيم.
أ.د. يحيى مبخوت
أستاذ الكيمياء العضوية
إضافة تعليق جديد