الدرعية لؤلؤة نجد

قبل مئات السنين وعلى ضفاف وادي حنيفة أحد أشهر أودية نجد، أسست قبيلة الدروع مستوطنة لهم سمّوها «الدرعية» نسبةً لجدهم «ابن درع»، وكانت مستوطنة نجدية تعيش حياة آمنة وهادئة وبسيطة، ولكن وقتها كانت الشركيات والانحراف عن الدين والبدع منتشرة في نجد والجزيرة العربية.

وفي يوم من أيام ١١٥٨هـ كان هناك رجل متعلماً ومتفقهاً في الدين والعقيدة الإسلامية الصحيحة يدعى «الشيخ محمد بن عبدالوهاب» أتى إلى حاكم الدرعية «الإمام محمد بن سعود» ليعرض عليه الدعوة الإصلاحية وإنشاء دولة إسلامية قائمة على كتاب الله وسنة نبيه، فناصره الإمام محمد بن سعود على دعوته المجددة حتى انتشرت في أرجاء الجزيرة العربية وصارت دولة واحدة باسم «الدولة السعودية» وعاصمتها الدرعية التي كان لها صيت وقوة سياسية ودينية آنذاك.

لما عرف العثمانيون عن هذه الدولة ودعوتها انزعجوا كثيرًا ولم يعجبهم الأمر أبداً، فأرسل محمد علي باشا «والي مصر» ابنه إبراهيم باشا لقيادة عدة حملات لإسقاط هذه الدولة، وبعد محاولات مجهدة وصعبة وطويلة تدمرت الدرعية وسقطت الدولة السعودية الأولى عام ١٢٣٣هـ.

وقد تحولت الدرعية بعد كل تلك الحملات إلى مجرد مبانٍ طينية مهدمة ومهجورة لا حياة فيها ولا بشر، ولم يتوقع أحد أن تعود هذه البلدة إلى الحياة بعد الدمار الذي حل بها، ولم يفكر أحد بالعودة إليها مرة أخرى بعد الخراب الذي حلَّ بها!

وبعد مرور الزمن والسنين وبعد أن قامت الدولة السعودية الثالثة وفي عهد خامس حكامها «خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز» قامت الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض في عام ١٤١٩هـ بقيادة «سلمان بن عبدالعزيز - أمير الرياض آنذاك» بمشروع لتطوير الدرعية التاريخية وترميمها وإصلاحها وتحسينها بعد دمار وإهمال دام اكثر من ١٨٠ سنة.

وفي عام ٢٠١٠م نجحت الدرعية التاريخية بالدخول إلى قائمة التراث العالمي باليونسكو كثاني موقع أثري بالسعودية يُسجل بقائمة التراث العالمي ويعترف به عالمياً وبقيمته التاريخية، وتم ترميم القصور والمساجد والمباني وكل منشآتها الأثرية؛ حتى صارت اليوم من أجمل وأفضل الأماكن السياحية بالرياض، وجارٍ تحويل قصورها التاريخية إلى متاحف بالإضافة إلى سوق تراثي وفندق تراثي ومطاعم ومقاهٍ تراثية وغيرها الكثير من المفاجآت الرائعة التي سنراها بالدرعية قريباً والتي ستذهل الجميع!

نتعلم من هذه القصة أن الهزيمة في جولة لا تعني الاستسلام، بل يجب التعرف على أسباب الهزيمة وإصلاحها بهمة وحزم للوصول إلى القمة والنجاح والابتعاد عن الضعف واليأس.

وهذا ما فعلته الدرعية، فبعد أن تدمرت وتحطمت كان لديها أمل بأنها ستعود إلى الحياة من جديد، وبفضل الله ثم بفضل حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز «حفظه الله» وبجهود هيئة تطوير الرياض وهيئة السياحة والتراث الوطني، تم إصلاح وترميم الدرعية حتى وُثّقت عالمياً باليونسكو وتم ترميمها وتحسينها حتى صارت من أفضل الأماكن التراثية والسياحية على مستوى راقٍ وعالمي وما زالت تتطور وتتحسن وتطمح للأفضل حتى اليوم وبذلك «عادت الدرعية إلى الحياة».

عبدالإله حمد الماجد

كلية السياحة والآثار

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA