للبُنية الاجتماعية تأثير على العادات الغذئية، وعلى السلوك البشري الجماعي في العديد من الأنشطة والعمليات والهياكل التي تشكل الحياة الاجتماعية. وفي أي مجتمع، تتشكل الجماعات الاجتماعية- وإلى حد كبير- بناء على عدة عوامل: كالوضع الاجتماعي والاقتصادي، والإقامة، والمهنة، والسن، والجنس، والأسرة، وغيرها. كما تؤثر انتماءات الأفراد في أنماط الحياة المعتادة، بما في ذلك المواقف الغذائية والخيارات.
ويُعد الغذاء: كرمز في القبول، والدفء، والود في العلاقات الاجتماعية، حيث يميل الناس إلى قبول أي أطعمة أو نصائح غذائية بسهولة أكبر من الأصدقاء، أو المعارف، أو من أشخاص يرون أنهم أهل للثقة؛ هذه التأثيرات قوية، خاصة في العلاقات الأسرية والحميمية بغض النظر عن القيمة الغذائية.
كما أن التطور الاجتماعي النفسي للأفراد يتعلق بشكل وثيق بالغذاء؛ وذلك لأن الغذاء أساسي للبقاء على قيد الحياة، ويتزايد النضج العاطفي من الطفولة حتى الشيخوخة مع النمو البدني، وتُعد العادات الغذائية في كل مرحلة من مراحل النمو البشري جزءاً من التطور المادي والنفسي الاجتماعي على حد سواء.
فعندما يبلغ عمر الأطفال نهاية المطاف مع الخطوات الأولى نحو الاستقلال عن آبائهم، ويتمكنون من السيطرة على آبائهم عن طريق الغذاء، ويصبح من الصعب إرضاؤهم إلا من خلال ما يتناولون، ويرفضون تناول أي طعام جديد؛ هذا الأمر عادي ويعتبره علماء النفس عامل تطور آخر، والذي يسمونه «الخوف من الأطعمة الجديدة» أو «الخوف من الأطعمة غير المألوفة»، وربما تكون هذه سمة عالمية، ويمكن أن تكون غريزة من التطور الماضي الذي يحمي الأطفال من أكل الأطعمة الضارة، وذلك عندما يصبحون فقط مستقلين عن أمهاتهم.
ومن المؤثرات الأخرى على العادات الغذائية التأثيرات الاقتصادية، إذ يتلاعب بالعادات الغذائية كلٌّ من التلفاز، والإذاعة، والمجلات، والإنترنت، ويُعد دخل العائلة من المؤثرات الاقتصادية البالغة الأهمية؛ فالذين لديهم موارد مالية أقل يميلون - في كثير من الأحيان- إلى الوجبات الخفيفة والمشروبات الغازية، أما الفواكه والخضروات الطازجة، فهي بالنسبة إليهم مكلفة للغاية؛ بمعنى أنه كلما هبطنا في سلم الطبقات الاجتماعية يصبح الطعام المستهلك أكثر غنى «من حيث السعرات الحرارية» وأكثر دسامة.
وبحسب نظرية «إعادة الإنتاج الاجتماعي» للعالم الاجتماع الفرنسي «بييار بورديو» فإن هناك علاقة متبادلة بين تطور الجسم ومكانة الفرد الاجتماعية؛ فالطبقة المثقفة على سبيل المثال أقرب إلى التقشف في الاستهلاك؛ بعكس الطبقة العاملة التي عادة ما تستهلك الطعام الرخيص الدسم، الذي له أثر ليس فقط على أشكال أجسادهم، بل حتى على نسبة إصابتهم العالية بأمراض الدم الشريانية مقارنة بالطقبات الأخرى. وللحديث بقية إن شاء الله تعالى، وإلى اللقاء.
د. علي بن أحمد السالم
المدينة الطبية الجامعية
إضافة تعليق جديد