قصر المربع تراث تليد ومَعلم باقٍ

اقتضى توحيد المملكة واستتباب الأمن بين ربوعها وتوسع أعمال الدولة ونمو أسرة الملك عبدالعزيز – رحمه الله- في أوائل الخمسينات الهجرية، إلى إعادة التفكير في القصر الذي يسكنه الملك داخل أسوار مدينة الرياض، حيث بلغ عدد الأفراد البالغين فعلاً من الأسرة المالكة في بداية سنة 1350هـ حوالي خمسة وثمانين شخصًا وأطفالاً آخرين، كما قدر أن حوالي ثمانمائة شخص ينامون في القصر كل ليلة.

ولما كان من الطبيعي أن يستمر هذا النمو فقد تم اتخاذ قرار ببناء قصر جديد خارج الأسوار عرف بقصر المربع، حيث تم إنشاؤه في منطقة تبعد قرابة الكيلومترين شمالاً عن مدينة الرياض القديمة تعرف بمربع آل سفيان، وكانت أرضاً مستوية خصبة تزرع في مواسم الأمطار وتحيط بها بساتين الفوطة من الجنوب ووادي البطحاء من الشرق ووادي أبو رفيع من الغرب، وبعض التلال والمرتفعات البسيطة من الشمال.

وهناك روايتان في سبب تسميته بقصر المربع، إحداهما تعود إلى بنائه في مربع آل سفيان، والأخرى بسبب تشييده على شكل بناء مربع أو مستطيل، وكذلك أبراجه المربعة الموزعة على سوره بمسافات متساوية.

وقد كُلف أحد البناءين المهرة في ذلك الوقت وهو المواطن حمد القباع، بالإشراف على بناء ذلك القصر بمساعدة حوالي أربعة آلاف عامل من أنحاء المملكة، وقد اكتمل بناؤه في آخر سنة 1357هـ، وخلال سنة 1358هـ انتقل إليه الملك عبدالعزيز وأفراد أسرته ليترك المجمع القديم في قصر الحكم مقراً للدوائر الحكومية والتشريفات الملكية وقصر الضيافة والمستودعات والأجهزة الأمنية والحكومية الأخرى.

لقد كان إنجاز بناء قصر المربع إيذانًا ببدء حقبة جديدة في التوسع العمراني للرياض، حيث أوجد رابطة حضرية بين منزل الحاكم ووسط المدينة، وشجع على بناء منازل أخرى للعائلة المالكة في هذه الناحية من منطقة العاصمة.

وعرف القصر باسم الديوان بعدما أقيم بجواره المجمع السكني الملكي والذي أصبح مدينة سكنية متكاملة للملك عبدالعزيز وأسرته الكريمة، وقد اقتصر مسمى المربع على القصر ذاته بحيث أصبح مقرًا للحكم يضم مكاتب الموظفين والمستشارين وغيرهم.

هناك رواية طريفة وممتعة تعود إلى أيام قصر المربع المبكرة عنوانها «شرف الجوار» تصور بدقة مروءة الملك عبدالعزيز وشهامته وإحساسه بالعدل إلى جانب محبة وولاء الرعية له، وتذكر الرواية أن الملك احتاج إلى أرض كانت بجوار القصر ليضمها إلى مباني القصر، وكان مقاماً على تلك الأرض بيت قديم أبى صاحبه أن يبيعه ولو بأضعاف قيمته بالرغم من أنه متهدم وآيل للسقوط، واستغرب الملك عبدالعزيز من إصرار مالك البيت على الاحتفاظ به وعدم التفكير في بيعه، فطلبه وعرض عليه شراء المنزل وضاعف له المبلغ، ولكن المالك أصر على الرفض وقال مخاطبًا الملك عبدالعزيز: يا طويل العمر! من يصح له شرف جوارك ويبيعه! فأعجب الملك عبدالعزيز بحصافة الرجل وكياسته وصرف حينئذ النظر عن شراء البيت حتى توفي صاحبه فاشتراه من أولاده بعد ذلك.

بُني القصر على مساحة تقدر بحوالي 120 ألف متر مربع، ويضم عدة وحدات سكنية تتكون من طابقين كما يحتوي على فناء واسع مكشوف له بوابة رئيسية في الجهة الغربية، ثم عدلت فيما بعد إلى الجهة الجنوبية، وقد تم بناء القصر على الطراز المعماري التقليدي السائد في منطقة نجد في ذلك الوقت ذي الفناءات المفتوحة «لجلب الضوء الطبيعي»، كما استخدم في بنائه الطين واللبن المجفف تحت أشعة الشمس والحجارة وجذوع الأشجار.

وعلى الرغم من بساطة البناء في تلك الفترة إلا أنه كان ملائماً للظروف المناخية السائدة، فالفناء المفتوح يوفر نظامًا طبيعيًا للتهوية في فصل الصيف، كما تمتاز جدران اللبن السميكة ونوافذها الصغيرة بعزلها الجيد للحرارة صيفًا وشتاءً.

لقد كان من الأسباب الرئيسة التي دعت إلى تشييد القصر هو تلك الزيادة الضخمة في عدد الضيوف والزوار من الرسميين وغيرهم والتي صاحبت توحيد البلاد، لذا كان الملك عبدالعزيز معجباً وفخورًا به، وكان يأخذ زواره من الأجانب لمشاهدته إذ كان بحق يعد إنجازًا يدل على البراعة في العمارة المحلية، فهو مجمع سكني ضخم يمثل ظاهرة جديدة في البناء، حيث تم تخطيطه بشكل متناسق ومنتظم مخالفاً لنمط التخطيط المتبع في المباني النجدية التقليدية، فتخطيطه وبناؤه يسودهما النظام والتناسق، إنه عمارة من الطين تم تخطيطها على مقياس رسم كبير وقام ببنائه حرفيون نجديون مهرة، وبالرغم من تكلفته القليلة إلا أنه تم في انسجام مع القدرات التقنية المحلية المتاحة والسائدة آنذاك.

... يتبع العدد القادم

أ. د. عبدالله بن محمد الشعلان

كلية الهندسة

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA