قول ابن القيم: «... الرياضة تعوِّد البدن الخفة والنشاط، وتجعله قابلاً للغذاء، وتصلب المفاصل، وتقوي الأوتار والرباطات، وتؤمن جميع الأمراض المادية وأكثر الأمراض المزاجية، إذا استعمل القدر المعتدل منها في وقته، وكان باقي التدبير صواباً». وقال: «كل عضو له رياضة خاصة يقوى بها، وأما ركوب الخيل ورمي النشاب «السهام» والصراع والمسابقة على الأقدام فرياضة للبدن كله، وهي قالعة لأمراض مزمنة».
وقارن ابن خلدون بين أهل الحضر والبدو في ممارسة الرياضة، وفي مستوى النشاط البدني بينهما؛ إذ يرى أن الرياضة مفقودة عند أهل الحضر والأمصار، وفي الغالب هم وادعون ساكنون لا تأخذ منهم الرياضة شيئاً ولا تؤثر فيهم أثراً، فكان وقوع الأمراض كثيراً في المدن والأمصار، وعلى قدر وقوعها كانت حاجتهم إلى صناعة الطب. أما أهل البدو فالرياضة موجودة فيهم لكثرة الحركة من ركض أو ركوب الخيل أو الصيد أو طلب الحاجات، فتكون أمزجتهم أصلح وأبعد من الأمراض فتقل حاجتهم إلى الطب.
وفي المجتمع السعودي الحديث على سبيل المثال؛ كانت حياة الناس أقرب إلى حياة أهل البادية قبل التمدن، والأعمال التي يقوم بها أفراد المجتمع تتسم بالحركة والنشاط والقوة، فكانت الإناث تقوم بجميع الأعمال المنزلية؛ كإعداد الطعام والتنظيف وخياطة الملابس ورعاية الصغار، وكانت أعمال الذكور تعتمد على الزراعة ورعي المواشي والنجارة، وغيرها من الأعمال التي تتطلب جهداً بدنياً شاقاً.
وخلال العقود الثلاثة الماضية شهد المجتمع السعودي تغيرات كبيرة في مستوى النشاط البدني، وانتشر فيه الخمول بشكل واسع لدى جميع شرائح المجتمع، وما يؤكد ذلك نتائج العديد من الدراسات والأبحاث العلمية الحديثة، وما أسفرت عنه نتائج آخر مسح أجرته وزارة الصحة السعودية عام 2013، حيث تجاوزت نسبة نقص النشاط البدني 60٪، ووصلت نسبة الجلوس لأكثر من ساعتين إلى 90٪ من مجموع السكان.
لا شك أن عامل التغير الاجتماعي والاقتصادي الذي يمر به المجتمع السعودي يُعد عاملاً مهماً في ارتفاع معدلات الخمول البدني، فارتفاع مستوى دخل الفرد، والتطور التقني الذي حدث في المجتمع من وسائل الاتصالات والنقل، جعلته يعتمد عليها كثيراً في حياته اليومية. كما أن انتشار وسائل الترفيه الحديثة، والخدم جعلته مقلاً في حركته، راكناً للخمول البدني، أسيرا لوسائل الترف والرفاهية.
ولم تسلم شريحة الأطفال والشباب من هذه التغيرات، فأصبح الواحد منهم ينتقل من المدرسة وإليها بواسطة المركبة «السيارة»، ويقضي جل وقته أمام التلفاز أو ألعاب الفيديو أو الإنترنت، وعندما يضاف لذلك قلة عدد حصص التربية البدنية المدرسية التي يتلقاها الطلاب في الأسبوع؛ فإن النتيجة حتماً هي انتشار الأعراض الصحية والأمراض المزمنة المرتبطة بنقص النشاط البدني في المجتمع، وللحديث بقية إن شاء الله تعالى، وإلى اللقاء.
د. علي بن أحمد السالم
المدينة الطبية الجامعية
إضافة تعليق جديد