قراءة: رضوان بكري
في إنجاز بحثي متميز حدد العالم والباحث السعودي والمشرف على كرسي دراسات اللغة العربية وآدابها بجامعة الملك سعود، الدكتور عبدالعزيز بن ناصر المانع بدقة، طريق هروب الشاعر «أبي الطيب المتنبي»، من الفسطاط في مصر إلى الكوفة بالعراق، قبل 1155 عاماً، وهو الهروب الذي عده النقاد الأشهر في التاريخ العربي لشاعر العربية الكبير المتنبي كما وصف بأنه «هروب سياسي» مثير لشخصية صاخبة في التاريخ العربي.
عمل ميداني ومكتبي
استغرقت رحلة المتنبي حسب الباحث، نحو 4 أشهر بدأت في 19 ذي الحجة عام 350 هـ الموافق 19 يناير كانون الثاني عام 962م، وانتهت في 25 ربيع الأول عام 1351هـ الموفق 3 مايو أيار من عام 962م، بعد إقامة في مصر دامت 5 سنوات مدح فيها الإخشيدي الذي جعل على المتنبي عيوناً تراقبه طوال اليوم منعاً لهروبه وخوفاً من هجائه.
المانع سجل تميزاً بتحديد طريق هروب المتنبي بدقة بعد 8 سنوات من العمل الميداني والمكتبي واستخدامه الوسائل الحديثة في التنقلات بالطائرات والمركبات وتقنية الخرائط والإحداثيات وتسميات المدن والقرى التي وردت في أشعار المتنبي.
وضمن المانع مشروعه البحثي الذي عنونه بـ«على خطى المتنبي» خرائط وصوراً ودراسات نقدية.
فريق عمل متكامل
يقع الكتاب في 222 صفحة بدون الصور ويصل بالصور وقائمة المصادر إلى 291 صفحة، وصدر عن كرسي المؤلف بجامعة الملك سعود في طبعته الأولى عام 1438هـ - 2017م, والكتاب دراسة لطريق هروب أبي الطيب المتنبي من الفسطاط إلى الكوفة بين يوم الأحد 19 - ذي الحجة سنة 350 - إلى السبت 25 ربيع الأول سنة 351هـ وشاركه في الرحلة فريق عمل وأمده بالمعلومات عدد من أهل الخبرة كما ذكر ص9 في صفحة الشكر والتقدير منهم الأستاذ تركي الخميس, وخالد الحافي, والدكتور سمير الدروبي والدكتور عبد الرحمن النشوان, والأستاذ عبد الله العنيزان والدكتور علاء حسين الرهيمي, والمهندس فهد الزهراني, والدكتور محمد عدنان البخيت, والشيخ محمد عيد الزلابية العنزي.
كوكبة من الخبراء
واعترف د. المانع في المقدمة بجهود من أمده بالمعلومات وتعاون معه، فقال في ص21 «لولا الدكتور عبدالعزيز بن إبراهيم العبيداء والأستاذ أحمد بن عبدالله آل الشيخ ما كان لهذا الإنجاز أن يتم، ولو تم بدونهما لولد ناقصاً هزيلا». وهذا يوحي أن عمل المانع كان وراءه كوكبة من ذوي الخبرة والدراية.
ولا ريب أن الكتاب بذل فيه جهد كبير وفيه معلومات وتحقيقات مفيدة تلقي الضوء على الطريق الذي سلكه المتنبي في رحلته من الفسطاط إلى الكوفة.
مشروع بحثي
يعد هذا الكتاب تتويجاً لمشروع بحثي أفنى د. المانع سنوات من عمره لإنجازه، نشأت فكرته بعد زيارة له لمنطقة الجوف، فوقوفه على محطة من محطات سير رحلة المتنبي من الفسطاط إلى الكوفة، ومنذ تلك الزيارة شرع في تحقيق مشروعه، وهو تتبع رحلة هروب المتنبي من الفسطاط نجاةً بحرّيته من كافور عبر سيناء حتى الكوفة، وأحسن أستاذنا أن شفع الكتاب بخريطة للطريق وبرقاقة تحكي بالصوت والصورة سير الرحلة التي رحلها المتنبي، وبالصوت تسجيل لقصة الهروب وللقصيدة التي وصفت الرحلة، أما الكتاب نفسه فهو تحفة نادرة بطباعته وتقسيمه ولغته الواضحة المشرقة وطريقته المراوحة بين إثارة الأسئلة التي تشوق القارئ ثم الإجابة المؤيدة بالأدلة والحجج، وهو مع ذلك يدرك أن من المسائل ما يتعذر الجزم فيها فيعقب عليها بلفظ الاحتمال «ربّما» وهو بهذا يشرع باب البحث لمن أراد أن يواصل البحث.
3 رحلات
ضم هذا الكتاب ثلاث رحلات، الأولى رحلة المشروع فكرته وتنفيذه، ومعاناة أستاذنا صاغها في فاتحة الكتاب بعنوان «تجربتي الميدانية مع طريق الهروب» ص13-32، وهي قطعة أدبية من أدب الرحلة تمتع القارئ وهو يشارك الكاتب في تنقلاته المختلفة ويحس معاناته، وأما الرحلة الثانية فهي رحلة رأسية في بطون الكتب والبحوث التي تناولت المتنبي ورحلته التي هي موضوع الكتاب، وأما الرحلة الثالثة فهي رحلة أفقية على الأرض وتتمثل في رحلة المؤلف المتتبعة خُطا المتنبي في رحلة هروبه، ووقوفه على المواضع التي ذكرها في قصيدته، وتحقيق ذلك ثم إثباته على خريطة دقيقة.
3 عناوين
جُعل هذا الكتاب بعد فاتحته تحت ثلاثة عنوانات، أولها «مدخل: المتنبي بين بلاطين» ص33-62، وثانيها «الاستعداد للهرب» ص63-78، وثالثها «يوم الهرب» 79-189، ولم يتم وضع عنوانات لمحطات الرحلة بل كلها سيقت مساقًا واحدًا تحت عنوان «يوم الرحلة» ووضعت بعد هذا ملاحق الكتاب الثلاثة ص191-281 أولها قراءة في الأعمال السابقة حول رحلة هروب أبي الطيب المتنبي، وثانيها خبر الهروب والقصيدة من الديوان، والثالث الصور الموثقة للرحلة.
إضافة تعليق جديد