كانت العائلة في المجتمعات القديمة هي المؤسسة التي تعالج الأمراض والإصابات في أغلب الأحيان، كما أن عدداً من مشاهير الأطباء والمؤسسات قد برزوا في بعض المجتمعات القديمة، غير أن المعالجة ظلت وقفاً على فئات من الممارسين الذين يستخدمون مزيجاً من العلاجات المدنية والدينية والسحرية.
وقد أحدث ظهور الدولة الحديثة وانتشار التصنيع تغييرات جذرية على هذا الوضع؛ مما أدى إلى تغيير المواقف والتوجهات إزاء من يقطنون في إطار تلك الدولة، حيث إنهم لم يعودوا مجرد مقيمين على تلك الأرض، بل أصبحوا سكاناً يستظلون بحكم سلطة مركزية يفترض فيها أن تهتم بأمورهم، وغدت السلطة تنظر إلى هذا التجمع البشري باعتباره مورداً ينبغي مراقبته وتنظيمه من أجل تعظيم الثروة والقدرة الوطنية، وبدأت الدولة تبدي اهتماماً متزايداً بصحة سُكانها لأن مستواهم الصحي يؤثر في إنتاجية البلد ومستوى ازدهاره وقدراته الدفاعية ومعدلات نموه.
وتمثل المستشفيات في الدولة الحديثة البيئة الطبيعية المناسبة لمعالجة الأمراض، وهي المعالجة التي تعتمد على تضافر عدة عناصر من بينها التقنية والمعالجة بالأدوية والجراحة، ولم تصل المستشفيات الحديثة إلى ما وصلت إليه إلا من خلال تطورات تاريخية تعود جذورها إلى الحضارات القديمة التي جسدت محاولات الإنسان المستمرة لتوفير أماكن لعلاج المرضى وإنقاذ المصابين.
وفي المجتمع السعودي اهتم النظام الصحي بضمان توفير الرعاية الصحية الشاملة والمتكاملة الوقائية والعلاجية والتأهيلية والتعزيزية لكافة أفراد المجتمع. كما أن الخدمات العلاجية حظيت باهتمام كبير سواءً في القطاع الحكومي أو الخاص، ويبدو ذلك في المستشفيات الثانوية والتخصصية، والعمل على تطويرها كماً وكيفاً، ليرتفع معها مستوى الخدمات العلاجية.
والهدف من هذا الاهتمام هو تلبية احتياجات المواطن من الرعاية الصحية في كافة أرجاء المملكة المترامية الأطراف، وذلك من خلال نشر مراكز الرعاية الصحية وسط التجمعات السكانية الكثيرة والمتناثرة، لتقديم الخدمات العلاجية الشاملة لجميع المواطنين، ونشر المستشفيات التخصصية في جميع المناطق «الحزام الصحي» لتوفر على المواطنين عناء السفر لمراجعة المستشفيات الحكومية في المدن الرئيسية.
وبالرغم من تلك الجهود، تواجه وزارة الصحة مشكلة زيادة الطلب على خدمات الرعاية الصحية بشكل مطرد بكافة مناطق المملكة، وذلك لعدة عوامل ديموغرافية واجتماعية واقتصادية وجغرافية، ومن أبرزها زيادة حجم السكان بمعدلات مرتفعة، إذ تشير التقديرات الإحصائية للسكان إلى أنه حتى عام 1444/1445هـ «2024» ستستمر الزيادة السكانية بالمملكة بمعدل نمو مرتفع، وذلك بسبب ارتفاع معدل الخصوبة، وانخفاض معدلات الوفيات، وسوف تتطلب هذه الزيادة متطلبات إضافية من مرافق وقوى بشرية صحية تتواءم مع الاحتياجات السكانية، وبما يحافظ على معدلات الخدمة الصحية.
كما أن نسبة عدد السكان من الذين تزيد أعمارهم عن 60 سنة سترتفع في إجمالي عدد السكان بحلول عام 1440/1441هـ «2020»، وأن متوسط العمر المتوقع قد يرتفع من 71,9 إلى 77 سنة بنهاية المدة نفسها، وللحديث بقية إن شاء الله تعالى، وإلى اللقاء.
د. علي بن أحمد السالم
المدينة الطبية الجامعية
إضافة تعليق جديد