من أهم الصعوبات التي تواجه وزارة الصحة السعودية مشكلة التغيير المستمر في نمط الأمراض، وزيادة معدلات الإصابة بالأمراض غير السارية التي تتطلب عناية أطول وكلفة أكثر؛ كأمراض القلب، والسُكري، وارتفاع ضغط الدم، والسرطان، وأمراض الشيخوخة، وما ينتج عنها من مضاعفات تتطلب تدخلات جراحية وتنويم في المستشفيات لفترات قد تطول؛ وارتفاع معدل الإصابات الناتجة عن حوادث السير، وارتفاع أسعار التشغيل الذاتي للمستشفيات الحكومية؛ كالأدوية والمعدات والمستلزمات الطبية، وتشغيل الكوادر الصحية عالية الكفاءة، علاوة على ارتفاع تكاليف عقود الإنشاء والتجهيز.
كما أن تمركز المستشفيات الحكومية ذات التقنية العالية والكوادر الطبية والصحية والإدارية المتميزة في المدن الرئيسية، شكل عبئاً على مستوى الفرد والأسرة والمجتمع، وذلك من خلال الضغط المتزايد على تلك المستشفيات، وانتقال المرضى من محل إقامتهم وابتعادهم عن أسرهم وانقطاعهم عن أعمالهم وتحملهم مشقة السفر وتكاليف الإقامة والإعاشة والمواصلات.
ففي إحصائية لوزارة الصحة عام 2014 على سبيل المثال بلغ إجمالي عدد المرضى المحولين إلى المدن الرئيسية 58545 حالة، كان نصيب مدينة الرياض 11804 حالات، مع العلم أن هناك أعداداً من المرضى لم تشملهم الإحصائية، بسبب تلقيهم العلاج بطريقة غير رسمية وبدون تحويل.
وعند محاولة تحليل وتشخيص تلك المشكلات التي تواجه المرضى المنتقلين من مناطق المملكة إلى المدن الرئيسية للعلاج في المستشفيات التخصصية من منظور اجتماعي؛ نلاحظ أن المجتمع يعمل بطريقة سلسة اجتماعية، والمرض يُمثل نوعاً من الخلل الذي يؤدي إلى اضطراب انسياب هذه الحالة الاجتماعية الاعتيادية، والفرد في حالة مرضه لا يستطيع أن يؤدي أدواره المتُوقعة، أو لا يكون أداؤه على ما عُهد فيه من كفاءة.
ونظراً لأن المرضى لا يستطيعون القيام بأدوارهم المُعتادة، فإن حياة من حولهم يعتريها الاضطراب والارتباك، فمُهمات العمل خارج البيت تظل تبحث عمن يؤديها والواجبات والمسؤوليات داخل المنزل تظل غير مكتملة.
فعندما يصاب أحد أفراد الأسرة على سبيل المثال بمرض وينتقل من محل إقامته إلى منطقة أخرى للعلاج، فإن دوره سوف يتعطل داخل الأسرة ومجتمعه المحلي، ويترك فراغاً للأدوار التي كان يقوم بها؛ فوظيفة الأسرة واتزانها تتوقف على البديل الذي يجب أن يلعب الأدوار التي كان المريض يقوم بها.
إضافة إلى أن المرض يؤدي إلى مزيد من إنفاق المال بسبب تكاليف العلاج والانتقال إلى المستشفى، وقد تكون هناك حاجة إلى مصروفات إضافية لإنفاقها على الأجهزة الطبية أو الأغذية الخاصة أو الملابس أو غيرها، لذا نجد أن أكثر من يحس بالخسائر المادية الناتجة عن المرض هو المريض والقريبون منه اجتماعياً، إلا أن تأثيرها يصل إلى المجتمع ككل، حيث يفقد المجتمع عضواً عاملاً منتجاً.
والوظائف التي كان يقوم بها قد تحتاج إلى شخص آخر؛ الأمر الذي قد يحتاج إلى ترتيبات خاصة، وللحديث بقية إن شاء الله تعالى، وإلى اللقاء.
د. علي بن أحمد السالم
المدينة الطبية الجامعية
إضافة تعليق جديد