هل أضحى أطفالنا سلعاً بشرية؟

أوجدت الثورة التكنولوجية وبرامج التواصل الاجتماعي الحديثة نمطاً اقتصادياً جديداً يمكن أن نطلق عليه «التجارة البشرية» والتي عادت بنا إلى زمن الرق والعبودية الذي كان خلاله الإنسان يمتلك الإنسان وينتهك خصوصيته ويستعبده بماله ليحقق من خلاله أهدافاً تجارية، فمن وجهة نظري لا يختلف حال الكثير من أطفال اليوم عن ذلك الزمان الذي اتفقنا معه في الفكرة العامة واختلفنا عنه بالكيفية!

فقد أصبحت شريحة واسعة من أطفالنا سلعًا تجارية، بل ومن أهم مصادر الدخل للكثير من أسرهم على الصعيد العالمي، حيث اتجهت شريحة كبيرة من أولياء الأمور والمجتمع المحيط إلى متابعة حياة أطفالهم بعدسات الكاميرات في جميع أحوالهم ونشرها عبر برامج التواصل الاجتماعي؛ ليصبح أولئك الأطفال مرهونين لتلك العدسات التي انتهكت خصوصيهم وقتلت عفويتهم وبراءتهم وجعلتهم سلعة للجمهور ووسيلة للإعلانات التجارية والتكسب المالي.

لا أقصد هنا الأطفال أصحاب المواهب والقدرات والمشاريع الهادفة الناتجة عن إبداعهم الخاص، إذ لا ضير من استثمارها على النحو الصحيح، بل المقصود هنا من سعى إلى التشهير بالأطفال دون أي هدف سامٍ يرتقي بحياة الطفل ويجعل له بصمة إيجابية في مجتمعه.

وهناك تزايد مستمر ومتنامٍ في المجتمع نحو هذا النوع من التجارة البشرية التي لم يسجل لها أي عوائد نفعية للأطفال، بل عرضتهم للضغوطات والمنافسات غير الشريفة وعقد المقارنات وكثرة الانتقادات التي قد تصيبهم بالإحباط النفسي وانخفاض تقديرهم لذواتهم.

كما صرفت أولياء أمورهم عن نواح تربوية ذات أهمية في حياة الأطفال وانشغلوا عن غرس المبادئ والقيم في نفوس أطفالهم، وجعلتهم في سباق لاهث لدفع المبالغ الطائلة على أطفالهم والاستعراض بهم في السوشل ميديا الحديثة لاستقطاب أكبر عدد من الجمهور، ومن بعد ذلك يبدأون بتحقيق الأهداف الربحية عن طريق الإعلانات التجارية للعديد من السلع بواسطة الأطفال!

لكن هل المطامع المادية لأولياء الأمور وحدها هي من دفعت هذه الشريحة من المجتمع إلى زج أطفالهم في هذا المجال، أم نحن الجمهور الصامت من خلف الشاشات من عززنا أمثال هذه التصرفات بمتابعاتنا، أم الجهات الربحية والمؤسسات التجارية هي من امتهنت حياة الطفل وجعلته وسيلة تسويقية لمنتجاتها!

المؤكد أننا أصبحنا جميعاً بلا استثناء مؤيدين كنا أم معارضين لهذا النوع من التجارة، غافلين أو متغافلين عن حقوق الطفل التي تنص على حمايته من كافة أوجه الاستغلال لاسيما الاستغلال الربحي أو التجاري، مهما اختلفت الأساليب وتعددت الطرق، ما لم تكن ذات فوائد نفعية للطفل ولأسرته ولمجتمعه.

والمأمول اليوم أن تسن لوائح عقوبات زاجرة من قبل الجهات المسؤولة لكل من تسول له نفسه بالتشهير اللاهادف بالأطفال وملاحقة خصوصياتهم ونشرها أمام الملأ، سواء من قبل أولياء الأمور أو منسوبي المدارس أو من المجتمع المحيط، وتطبيقها دون تهاون أو استثناءات لتكون رادعاً لهذه الممارسات التي لا ترتقي بمجتمعنا بل تصنع جيلاً مادياً جشعاً يلحق بكل ناعق وتافه ويضع الجوانب الربحية هدفاً أساسياً في حياته ولو كانت على حساب الجوانب المعنوية من حياته.

أفنان العصيمي - كلية التربية

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA