عندما نتحدث عن الاحتياجات أو المطالب الصحية داخل أي مجتمع، علينا أن نفرق بين الحاجة للخدمات الصحية وبين المطالبة بتلك الخدمات، بمعنى أن هناك نوعين: نوع يشعر به الناس ويترجمونه إلى نوع من الطلب، مثال ذلك عندما يشكو الناس من مرض ما ويبحثون عن العلاج فقد يطلبون التطعيم ويستخدمون الخدمات الصحية المتاحة. أما النوع الثاني فهو الذي لا يكونون على دراية به ولكنه يبدو للعيان متمثلاً في أعداد المراجعين للعيادات والأقسام الخارجية.
وقد ضع العالم «شوراتز» نموذجاً لتحديد حجم الاحتياجات الصحية في المجتمع على شكل المعادلة التالية: ح «حجم المشكلة» = ت «تكرار المشكلة» × ق س «القيمة الإنسانية» + ق ص «القيمة الاقتصادية».
ويرى «شوراتز» أن تكرار إصابة الأشخاص بالمرض والمدة التي يقضونها وهم مرضى، يبدو أنه أفضل مقياس لتكرار المشكلة. كما أن القيمة الإنسانية تؤثر في الاحتياجات الصحية داخل المجتمع، وتكون على ثلاث مستويات مختلفة هي: المريض، والأسرة، والمجتمع. ولهذا فإنه عند حساب القيمة الإنسانية، فلابد من اعتبار أربعة جوانب هي:
- المعاناة الجسمية «عدم الارتياح، الألم، والانزعاج والارتباك»، وتشمل المريض بمفرده.
- المعاناة النفسية «الخوف، القلق، الوصمة الاجتماعية» وتشمل المريض والأسرة.
- خطر العجز الدائم ويشمل المريض والأسرة والمجتمع.
- التمزق الاجتماعي ويكون على مستوى «شخصي، أسري، مجتمعي».
هذه الجوانب الأربعة تقيم قوة كل ميزة على ثلاثة مستويات، بإعطاء ثلاث نقاط عندما تعتبر المعاناة عالية، ونقطتين عندما تعتبر متوسطة، ونقطة واحدة عندما تعتبر منخفضة، وعندما لا تنطبق الميزة فإنها تعطى صفراً. فالقيمة الإنسانية تساوي مجموع نقاط «المعاناة الجسمية + المعاناة النفسية + العجز + التمزق الاجتماعي».
ويرى «شوراتز» أن القيمة الاقتصادية لها تأثير على الاحتياجات الصحية داخل المجتمع، لأن الأمراض والعجز يؤديان إلى مزيد من الحاجة للمال بسبب تكاليف العلاج والنقل للمستشفى، وقد تكون هناك حاجة إلى مصروفات إضافية لإنفاقها على الأغذية الخاصة أو الملابس أو المريض في المنزل.
فالقيمة الاقتصادية للاحتياجات الصحية، تعتمد على الخسائر التي ربما وازنتها المكاسب جزئياً، وقد تخص هذه الخسائر المريض وأسرته والمجتمع والخدمات الصحية، ولتقليل القيمة الاقتصادية، فإن المكاسب والخسائر يمكن أن تقيّم باستخدام نفس نظام النقاط المبسط الذي استعمل للقيمة الإنسانية.
ويمكن تحليل وتشخيص المشكلات التي تواجه المرضى المنتقلين من مناطق المملكة العربية السعودية المختلفة إلى المدن الرئيسية لتلقي العلاج في المستشفيات التخصصية التي تحدثنا عنها في مقالات سابقة من خلال نموذج العالم «شوارتز» الذي يؤكد أن طلب الخدمة العلاجية لا يعتمد على معرفة المجتمع فقط، ولكنه يعتمد على آراء المجتمع وموقفهم وتجاربهم السابقة.
وهذا النموذج يفسر حاجة المرضى إلى الخدمات العلاجية في محل إقامتهم التي تفتقر إلى وجود مستشفيات ذات تقنية عالية وبكوادر طبية وصحية وإدارية متميزة، وذلك من خلال قياس حجم المعاناة الإنسانية وحجم الخسائر الاقتصادية التي تواجهم أثناء انتقالهم لتلقي العلاج في المستشفيات التخصصية بالمدن الرئيسية، وللحديث بقية إن شاء الله تعالى، وإلى اللقاء.
د. علي بن أحمد السالم
المدينة الطبية الجامعية
إضافة تعليق جديد