التجربة الهندية في نقل وتوطين التقنية

 

 

الهند موئل الديانات واللغات والطوائف، ما فتئت في أذهان العالم وبخاصة في دولنا الخليجية على أنها بلاد الفقر والتخلف، حيث نرى انتشار العمالة الهندية لدينا تمتهن وظائف متدنية وتمارس أعمالاً شاقة وكل ذلك لقاء أجور زهيدة.

بيد أنه مع بداية التسعينات الميلادية بدأت الهند تخطو نحو الازدهار وبخاصة في مجال تقنية المعلومات وصناعة البرمجيات الحاسوبية، حيث نجحت فيه وتمكنت معه في استقطاب الشركات العالمية في مجال تقنية المعلومات وصنع البرمجيات، حيث أضحت مدينة بنجلور في وسط الهند مركزًا عالميًا لشركات تقنية المعلومات.

وتشير البيانات من واقع سجلات اتحاد شركات البرمجيات الهندية «تاسكوم» أن مبيعاتها من قيمة البرمجيات وخدماتها الفنية قفزت من 6 مليارات دولار عام 2002 إلى ما يربو على 100 مليار دولار في نهاية عام 2015، ونتيجة لنجاح الهند في توطين تقنية المعلومات انتشر خبراء التقنية الهنود في أسواق العمل العالمية في مجال تقنية المعلومات.

ومن نتائج هذا الاكتساح التقني أعلنت شركة أوراكل قبل سنتين تقريبًا عزمها على زيادة عدد موظفيها في الهند إلى الضعف أي من ثلاثة آلاف إلى ستة آلاف خلال سنة واحدة فقط؛ حتى أصبحت الهند مركزًا رئيسًا للدعم الفني لهذه الشركة وغيرها من الشركات العالمية، مما أتاح لهذه التقنية خلق فرص وظيفية وافية وراقية لمواطني الهند، مما يدل على المستوى المعرفي التقني الذي تقوده صناعة المعلومات.

هذا النجاح الباهر لما يتأتى من فراغ إنما ارتكز على عدة دعائم من أهمها الكثافة السكانية الهائلة في الهند والتي تعتبر ثاني أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان، وانتشار المؤسسات التعليمية المتخصصة في إعداد المؤهلين في مجالات تقنية المعلومات، أما الدعامة الثانية فهي العامل اللغوي المتمثل في كون اللغة الإنجليزية هي اللغة المهيمنة في الهند، وهي بالتالي المهيمنة على قطاع تقنية المعلومات مما ساعد على توجه الشركات الهندية للاهتمام بجودة المنتج والحصول على شهادات الجودة من منظمات عالمية معترف بها على مستوى العالم.

لذلك كله أضحت الهند دولة رائدة في تطوير حلول برمجيات متقدمة، وقد تبدّى ذلك في العديد من الممارسات الناجحة لها في ميادين متعددة مثل أساليب التجارة الإلكترونية وقواعد البيانات بكل أنماطها وأنماط المحاسبة والنشر الإلكتروني مما حفز الشركات العالمية للاعتماد على مثل هذه الطرائق وتبنيها وتطبيقها.

إن ما أحرزته الهند في مضامير تقنية المعلومات وصناعة البرمجيات؛ يعتبر بكل المعايير نجاحًا باهرًا لم يأت بمحض الصدفة بل عن تخطيط واعٍ وعمل متقن وتنفيذ سليم.

أ. د. عبدالله بن محمد الشعلان

كلية الهندسة

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA