الشروخ والانهيارات وعلم «ميكانيكا الكسر والتشرخ»

 

 

من المعلوم أن الانهيارات بأنواعها وأحجامها تبدأ عادة أولاً من تكوّن شروخ صغيرة، والشروخ تبدأ في التكون من الحالة المتناهية الصغر، فتبدأ من التفكك والتشرخ بين الذرات والجزيئات ثم تتمدد لتصل إلى الحالة المرئية مروراً بالحالة الميكروسكوبية والماكروسكوبية وما يسمي بالحالة الميسوسكوبية.

وقد بدأت دراسة الشروخ دراسة مقننة منطقية مع ظهور علم «ميكانيكا الكسر والتشرخ» في العشرينات من القرن الماضي حين توصل العالم «جرفيث Griffith» إلى نظرية «المعدل الأقصى لانطلاق الطاقة من المواد» «Maximum energy release rate criterion».

وتعتمد هذه النظرية أساسًا على خاصية من أهم خواص التشرخ للمواد وتسمى خاصية «صلابة التشرخ» «Fracture toughness» أو «معامل الكثافة الحرجة للإجهاد عند مقدمة الشرخ» «Critical stress intensity factor KIc» وهي خاصية هامة في جميع المواد وتختلف باختلاف المادة وكذلك تتأثر باختلاف عدة معاملات منها حجم المادة وحالة المادة ودرجة الحرارة ونوع الشرخ والقوى المؤثرة وغيرها، وهي فقط خاصية هامة وليست تعني آلية وميكانيكية التشرخ.

أما ميكانيكية وآلية التشرخ فتخضع لنظريات علم ميكانيكا التشرخ والكسر، والنظريات عموما بدورها تخضع لمناهج علم ميكانيكا الكسر والتشرخ وهي: «المنهاج القياسي Scalar quantity approach، والمنهاج شبه الاتجاهي Vector –like quantity approach والمنهاج الاتجاهي Directional fracture approach».

وتلك النظريات يتم تطبيقها بطرق مختلفة تختلف باختلاف نوع المواد والقوى المؤثرة ونوع الشرخ ومكان تواجده، والأبعاد الهندسية للشروخ، وشكل الشروخ، وحجم المادة، ودرجة الحرارة، وزمن التأثير، و هكذا.

فمثلاً يختلف تطبيق النظرية باختلاف نوع المادة كمثال حالات المواد القصفة والمواد المطيلة والقصفة المطيلة والبوليمرات والمواد المركبة بأنواعها الآيزوتروبيك والأورثوتروبيك والأنيزوتروبيك والمركبات الطبقية والمواد المتجانسة وغير المتجانسة وغيرها، وتختلف باختلاف القوى المؤثرة الداخلية والخارجية وقوى التلاصق والترابط بين المواد والجزيئات.

وعمومًا فإن نظرية «جريفيث» تم صياغتها فقط للشروخ في الحالة النموذجية المعرضة للشد أو الضغط ويكون الشرخ متعامدًا مع القوة المؤثرة، أما في حالات الشروخ الأخرى وخاصة التي لها اتجاهات غير متعامدة مع القوى المؤثرة فلها نواحي قصور كثيرة تم محاولة معالجتها في نظريات المنهاج شبه الاتجاهي الذي أنشأه «جورج تشانج سيه George C. Sih» وأنشأ تبعًا له «نظرية كثافة طاقة الانفعال الإجمالية الدنيا Minimum total strain energy density criterion»، وذلك في ستينات القرن الماضي لإيجاد حلول لنواحي القصور في المنهاج القياسي.

وقد نجح فعلاً في إيجاد حلول لبعضها ولكن لم يتمكن من حل البعض الآخر، وتبعه في ذلك الكثير من الباحثين، ونظريات عدة لم تأت بجديد جميعها، كما تبع أيضاً الكثير من الباحثين نظرية «جريفيث»، إلى أن أتى المنهاج الاتجاهي ونظرياته في أوائل تسعينات القرن الماضي، وتبعتها عدة نظريات أخرى لنفس المنهاج والتي استطاعت كشف خطأ بعض المفاهيم والنظريات السابقة، وتمكنت من تغيير بعض المفاهيم الأساسية، وكذلك تمكنت من إيجاد حلول منطقية للمشاكل التي عجزت عنها نظرية «جريفيث» ونظرية «جورج سيه».

وجميع هذه النظريات تهتم عمومًا وأساسًا بتحديد والتعرف على آلية وكيفية تكوّن وحدوث الشروخ وأنواعها وأماكن حدوثها وعوامل حدوثها والعوامل الناتجة، وتحديد اتجاه امتدادها وتحديد اتزان الشروخ، ونوع وقيمة القوى المؤثرة، وشكل وتأثير التركيب الميكروسكوبي، وطول قيمة التشرخ، وخطوات التشرخ، والمنطقة اللدنة عند مقدمة الشروخ وشكلها وحجمها، وشكل مقدمة الشرخ، ومسار التشرخ، وسطح التشرخ، والمناطق الخاملة في الإجهادات، ومعاملات الاحتكاك، ومتى وأين يبدأ التشرخ، ومتى وأين يتوقف التشرخ، وكيفية التحكم في سلوك الشروخ، والتعرف على الشروخ غير الظاهرة، والشروخ ثلاثية الأبعاد، والشروخ السطحية، وتقاطع الشروخ، ومجموعات الشروخ، وكيفية إيقاف التشرخ، وكيفية علاج وإصلاح الشروخ وإزالة آثارها والتحكم فيها، وتحديد ومعرفة الشروخ مبكرًا، وغيرها الكثير.

وكما يقال إن التقدم في علوم المواد وتطبيقاتها يبدأ من التقدم في علم ميكانيكا الشروخ، فالشروخ تبدأ من حالة التكوين في الحالة الذرية وتصل إلى حالات الانهيار، وكذلك الحالات العظمى مثل الفوالق الأرضية، فجميعها يندرج تحت علم ميكاينيكا الشروخ.

ويعتبر علم ميكانيكية الكسر أحد العلوم الهامة التي شاركت في التوصل إلى علم تقنية النانو وتطبيقاته والتقدم التكنولوجي في جميع المجالات منها الهندسية والطبية والإلكترونية والفضائية والميكانيكية والإنشائية وطب الأسنان وطب العظام والأجهزة الطبية، وكذلك الصناعات العسكرية والطرق والمطارات والجسور والسدود والمباني السكنية، وجميع منشآت البنية التحتية، والانهيارات الأرضية والمناجم وحقول البترول والغاز، وخطوط الأنابيب للبترول والغاز، والصخور وغيرها الكثير، وذلك تحت تأثير كافة أنواع القوى مثل القوى الإستاتيكية الدائمة والمتغيرة، والقوى الديناميكية والقوي الزلزالية وقوي تأثير الحرارة والحرائق، وقوى تأثير الإشعاعات بأنواعها، وقوى الانفجارات، وتأثير المجالات المغناطيسية والكهربية والقوى المائية وقوى الرياح.

وقد حافظت نتائج استخدام هذا العلم على الثروات القومية، والحقيقة أن هذا العلم من العلوم النادرة والتي لا يتم تدريسها في الجامعات إلا بقدر يسير جدا في بعض الأقسام ودون تعمق، إلا في بعض الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا؛ نظرًا لأهميته القصوى في الصناعة وله معاهد وأقسام متخصصة. 

أ. د. رفعت الشيخي

أستاذ باحث – تقنية النانو وميكانيكا التشرخ 

معمل تقنية النانو – كرسي بقشان لأبحاث التربة الانتفاخية 

كلية الهندسة

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA