قرأت لك

الإحساس بالفن

«آرثر شيمامورا» عضو مؤسّس لجمعية علم الأعصاب الإدراكي، وعمل مستشارًا علميًّا لمتحف سان فرانسيسكو العلمي، وقدم أبحاثًا مبتكرة عن العلاقة بين الفن وعلم الجمال ونشاط الدماغ، وعن مفاتيح الإحساس بالفن، وفي كتابه “الإحساس بالفن في عقل الناظر” يبحر في سبر أغوار الدماغ البشري، وكيفية تفسيره للفن من خلال الأحاسيس والأفكار والعواطف، ويصف نتائج دراسات علم النفس والدماغ بأنها وسيلة للاستجابة الجمالية للفن، ويؤكد أن استجابتنا للفن تعتمد على مخزوننا العقلي من المعارف المتنوعة، وخلفياتنا الثقافية، وتجاربنا الشخصية.

المدرسة التعبيرية

ترى المدرسة التعبيرية أن استجابتنا للجمال في جوهرها هي استجابة عاطفية، والغرض الأساسي من الفن هو غرس الإحساس بالجمال في نفس الناظر، وفي القرن الثامن عشر، صاغ الفيلسوف ألكسندر جوتليب بومغارتن مصطلح “علم الجمال” لوصف بحثه الجديد في “فن التفكير بشكل جميل” وقال: إن تقدير الجمال هو نقطة النهاية في الإحساس الجمالي. وذكر أن الجمال هو حالة ذهنية لدى الناظر عندما يشعر بالأشياء الجميلة، وهذا هو المبدأ الذي انطلقت منه المدرسة التعبيرية التي تستهدف التعبير عن العاطفة المثارة لدى الناظر تجاه الأعمال الفنية.

معيار الجمال

طرح الكاتب سؤالاً: هل كلنا نرى الجمال بالطريقة نفسها؟ وأجاب قائلاً: “في التذوق ليس هناك مجال للتعارض”. ونقل ما كتبه ديفيد هيوم «فيلسوف اسكتلندي» في مقاله الإبداعي الشهير عن معيار التذوق الفني عام 1757، حيث قال إن هناك معايير شمولية لتقييم الجمال والحكم عليه، وإن الذوق السليم يعتمد على المعارف المكتسبة، والتدريب، ووجود شعور “مرهف”، بل الأكثر من ذلك، يجب تجنب النظر إلى التحيزات الشخصية والثقافية. وبهذه المبادئ الموجهة لاستجابة الأشخاص تجاه الجمال، أكد هيوم أن هناك أساسًا مشتركًا لتقييم الجمال.

أكثر من إحساس

وأشارالمؤلف إلى كتابات إيمانويل كانط «الفيلسوف الألماني» عن العقل باعتبارها من أدبيات وثوابت الفلسفة الغربية، ونقل عن كتابه «نقد العقل الخالص» الذي نشر أول مرة عام 1781 قوله: “رغم أن كل معرفتنا تبدأ من الإحساس، لكن لا يعني هذا أنها جميعًا تتبع الإحساس”. وعلق بقوله: من خلال وجهة النظر هذه، يشير كانط إلى إن هناك ما هو أكثر من مجرد إحساسنا بالأضواء والأصوات والروائح التي تؤثر على حواسنا، إننا نفسر العالم من خلال ربط الشعور الحسي بالمفاهيم أو الأفكار الكامنة بداخلنا.

مشاعر راقية

بالنسبة لكانط، فإن الجمال هو إحساس فطري مشترك في جميع الأفراد؛ ومن ثَم فهو مفهوم شمولي، وبالإضافة لتقدير الجمال والإحساس به، يعتبر كانط المشاعر الراقية شعورًا جماليًّا؛ فعندما نشعر برقي، فإننا في ذات الوقت نطوِّر شعورًا غامرًا من التعاظم، لكن الشعور بالرقي - حسب كانط- ليس بالضرورة أن يولِّد شعوراً ممتعاً دائماً إذ يمكن أن يشعرنا بالخوف أو الألم مثل شعورنا عندما نقارن مثلاً ضخامة الطبيعة مع وجودنا المحدود، على عكس مشاعر الجمال التي هي دائمًا ممتعة.

الفن لأجل الفن

وفقًا لكانط، فإننا نستخدم الفن وننظر له ونتعامل معه بغرض تكوين شعور من الجمال أو الرقي، ولا شيء غير ذلك، ومن هنا جاءت مقولة “الفن لأجل الفن”، وكان أسلوب المذهب الرومانسي، الذي ازدهر في القرن التاسع عشر، أصدق تطبيق لوجهة النظر هذه؛ ففي أعمال مثل سيمفونية بيتهوفن، أو قصيدة ويليام ووردزوورث، أو لوحة ديلاكروا “موت سردانابالوس” يبرزُ هذا النوع من الفن التعبيري الذي وصل لذروة الإبداع في تجسيد مشاعر أو أحداث أو ملاحم بطولية رائعة ومثيرة.

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA