التقنية بين النقل والتوطين: التجربة الماليزية

ماليزيا دولة إسلامية حققت خلال العقود الأربعة الماﺿية قفزات واسعة في مجالات التنمية البشرية والاقتصادية لتصبح الدولة الصناعية الأولى في العالم الإسلامي، وﻛذلك في مجال الصادرات والواردات في جنوب شرقي آسيا، مما مكنها من تأسيس بنية تحتية متطورة ومن تنويع مصادر دخلها القومي من الصناعة والزراعة والمعادن والنفط والسياحة، كما حققت تقدماً واضحاً في تحسين الوضع الاجتماعي وتحقيق فرص العمل ومكافحة البطالة.

لذا تعتبر التجربة الماليزية في التنمية والوصول إلى التقنية من التجارب الفريدة التي تستحق التأمل والتحليل، فماليزيا نجحت في المزج بين اقتصاديات العولمة والاحتفاظ بنهج الاقتصاد الوطني لتتحول خلال فترة وجيزة من دولة تعتمد على تصدير المواد الأولية إلى واحدة من أكبر الدول المصدرة للسلع والتقنية الصناعية في منطقة جنوب شرقي آسيا.

لقد ذكر محاضر محمد «رئيس وزراء ماليزيا الأسبق» أن تجربة النهضة في ماليزيا لم تكن سهلة وطيّعة، وذلك نظرا لتعدد الطوائف وتباين الأعراق واختلاف الديانات داخل المجتمع الماليزي، بيد أن ذلك لم يحل دون نسيان تلك العوائق ومشاركة الجميع في نهضة البلاد والتوجه نحو التقنية وتطوير الصناعة.

ومن العوامل التي ساعدت ماليزيا أن اختيار تصنيع «الإلكترونيات الدقيقة» وكذلك «الشرائح الدقيقة» ساعد على استخدام أيادٍ عاملة كثيرة، وعلى هذا الأساس تم منح إعفاءات كاملة من الضرائب لهذه الصناعات التي استوعبت الآلاف من الأيدي العاملة إلى جانب اكتساب الخبرات والمهارات في تلك المجالات عالية التقنية.

كذلك أتيح لماليزيا الانفتاح والتوسع عبر اندماجها في اقتصاديات العولمة وترسيخ ركائز تنمية اقتصادها الوطني، ويبرز ذلك واضحًا من خلال تحولها من بلد يعتمد بشكل أساس على الزراعة إلى بلد مصدر للسلع الصناعية والتقنية وبخاصة في مجال الصناعات الكهربائية والإلكترونية والحاسوبية.

إن ماليزيا تعتبر إحدى قصص النجاح الباهرة التي حققها المسلمون اليوم بتمسكهم بهويتهم الإسلامية، وبكل ما تحمله من مظاهر الإخاء والتسامح والتعايش مع مواطنيهم من غير المسلمين، وهي شاهد على أن التطبيق الإسلامي الصحيح في سياسة العلم والعمل يكون دافعًا قويًا وإثباتًا واقعيًا للنهوض في شتى المجالات المعرفية والتنموية والتقنية.

لقد نجحت ماليزيا منذ سبعينيات القرن العشرين في تحقيق جانب كبير من الأهداف التنموية المشمولة في خططها التنموية وسياساتها الاقتصادية، حيث استطاعت أن تحقق طفرة تنموية كبيرة تحسدها عليها الدول المتقدمة قبل النامية، إذ لم تكن ماليزيا في بادئ الأمر سوى دولة زراعية تعتمد على إنتاج السلع الأولية وخاصه القصدير والمطاط وزيت النخيل، بيد أنها ما لبثت بفضل سياستها التنموية أن تحولت إلى واحدة من الدول الصناعية التي تتمتع بالاستقرار السياسي والنمو الاقتصادي والرفاه الاجتماعي، وتحتل اليوم مركزًا مرموقًا في الاقتصاد العالمي.

أ. د. عبدالله بن محمد الشعلان

كلية الهندسة

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA