نحن و«التوحش اللغوي»

 

 

قرأتُ مقالة الدكتور سعد بن علي آل سعد الغامدي والمنشورة في صحيفة رسالة الجامعة العدد 1297 بتاريخ 9/6/1439هـ والمعنونة بـ«التَّوَحُّشُ اللُّغَوِيُّ»، وأشكره بدايةً كل الشكر على ذكره لهذا الموضوع المهم والجذري بنظري لتوضيح بعض الأوجه التي قد يتغافل عنها البعض.

الأستاذ الفاضل ذكر في المقال موقفه مع أحد الإخوة الطلبة في معهد اللغويات بشأن توحشه اللغوي ومعاناته في استخدام اللغة العربية كلغة ثانية مع أهل اللغة أي العرب، وقولي في هذا الشأن يتلخص بأنه إن كان أساس التعلم يعتمد على الصبر والمثابرة في تعلم اللغة فلن يجد صعوبةً في إتقان اللغة على المدى البعيد إن وضع لنفسه هدفاً بعيد المدى.

وهذا ما لم يحدث مع الأخ الكريم المذكور في المقال؛ إذ إنه كان متعجلاً للتحدث وإتقان اللغة كأهل اللغة تماماً، وأنا أتفهم رغبته في ذلك، كلنا قد نعاني نفس المشكلة مع اللغات الأخرى التي نتعلمها منذ وقت مبكر _ أياً كانت _ ولكن تختلف هذه الرغبة وهذا الإقدام من شخص لآخر، فهناك من يستطيع إيصال ما يريد بسهولة حتى لو كانت لغته الثانية ركيكة.

وحتى لا أبخسهم حقهم فحتى أهل اللغة أنفسهم لا يملكون ذات الإلمام اللغوي بلغتهم الأم؛ إذ إنهم اعتادوا على الحديث بها مُذ ولدوا وقد لا يعلمون أسرار وكينونات هذه اللغة إلا من تعمق في البحث والقراءة والدراسة، وحينما نريد تعليم لغتنا لغير الناطقين بها فإنه من الأجدر أن نُلِمَّ نحن بها أولاً قبل أن نرتكب جريمة بحق لغتنا إذا ما علمناها خطأً لهم.

وبهذا الصدد أود أن أذكر موقفاً حصل معي شخصياً، ففي أحد الأيام شاء الله أن أتعرف على سيدة ألمانية جاءت إلى المملكة بتوصية من أحد الأقارب، وحينما التقيتها أخبرتنا برغبتها الشديدة بتعلم اللغة العربية وأنها سلفاً قد درست بعض الأساسيات لمدة سنة في معهد في دولةٍ عربية.

كان بادياً عليها حماسها وشدة رغبتها بتعلم وإتقان اللغة العربية، وزاد سرورها وحماسها حينما علمت أنني متخصصةُ باللغة العربية وأبدت استعدادها لتعلم قواعد النحو، وحينما بدأتُ معها بعض الدروس والأساسيات المهمة وجدت أن النطق باللغة أصعب من كتابتها وقراءتها، لكني قلت لها: لو أردتُ تعلُّم لغتكم والتحدث بها فإني سأحتاج لوقت طويل دون شك حتى إلى مستوى قريب منكم، ولن أتذمر من ذلك بالتأكيد خصوصاً إن كانت رغبتي حقيقية وصادقة في تعلمها، إذ سأصبر وأتحمل وأثابر.

اللغة العربية تختلف اختلافاً كلياً عن غيرها من اللغات باعتبارها أثرى لغة على وجه الأرض من ناحية تنوع التراكيب اللغوية وسهولة استخدامها على أي وجه يحتاجه المتحدث، فلا ننسى أنها اللغة الوحيدة التي تتمتع بقوة واختلاف مخارج الحروف، كما أن الجذور اللغوية فيها واسعة وكبيرة جداً، إذ إنها من أكثر اللغات جذوراً وهذا ما يجعل الاشتقاقات الصرفية والتراكيب الدلالية تختلف باختلاف الزمن والغرض من استخدامها.

ومهما تقادم عليها الزمن تبقى اللغة العربية صالحة للاستخدام حسب الزمن والهدف منها، وهذا ما لا نراه في اللغات الأخرى التي اندثرت أصولها بسبب عدم الاستعمال، وهي صعبةً حتى على دارسيها من نفس أهل اللغة.

أتفهم جيداً مدى صعوبة تعلم اللغة العربية من حيث نطق بعض مخارج الحروف، وهذا ما يقع فيه أبناء ذات اللغة أنفسهم من خطأ في نطق بعض الحروف نطقاً صحيحاً سليماً، لكن يُتغافل عن ذلك بعذر أن الأهم فهم المعنى العام لما يُقال.

التوحش اللغوي حالة ليست عامة لكل المتعلمين فهي تختلف باختلاف شخصياتهم، وبوجهة نظري الموضوع عائد لمبدأ «الثقة بالنفس» فمن يُخطئ في استعمال أي لغة ثانية ويخجل في الاستمرار رغم الخطأ - والخطأ وارد - فإنه سيتوقف عن الاستمرار في التعلم وسيرى أن خطأه خزي وعار عليه، والحقيقة كلنا نقع في هذا الخطأ حتى مع لغتنا الأم.

شخصياً كلما وقعتُ في خطأ لغوي فهذا لا يعني أن أخجل وأتوقف بل هو دافع لأستمر في التعلم، فالإنسان في حياته عامة يتعلم من أخطائه ولو توقف لن يستمر ويتطور، لا ينبغي الاعتقاد بأن الخطأ هُوة عميقة لا خلاص منها، ولا ينبغي أن يدفعنا الخطأ أو السخرية أو التهكم عن الاستمرار في التعلم والتطور والرقي، ولنتذكر أننا نتعلم طوال حياتنا والعلم لن يتوقف.

ختاماً أقول، نحن سفراء لغتنا، إن شئنا جعلناها عالمية وإن شئنا جعلناها محليةً محصورة بفئة قليلة من المتحدثين بها، فاللغة العربية أجمل وأسهل من الاعتقاد بصعوبة تعلمها أو تعليمها، فقط نأخذها على محمل المتعة والتأمل، ونجتهد ونبدع في نشر لغتنا الرائعة لغة الضاد.

لاما حسين المعجل

بكالوريوس لغة عربية من كلية الآداب - جامعة الملك سعود

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA