لنمط المعيشة دور مهم في زيادة الوزن والسُمنة لدى أفراد المجتمع، ومن الأبحاث العلمية التي تؤكد ذلك دراسة قام بها مجموعة من الباحثين الغربيين، للتحقق من علاقة زيادة الوزن والسُمنة في المجتمعات العرقية، عندما قارنوا بين مجموعتين من الصيينين الذين يعيشون في أمريكا الشمالية وولدوا في آسيا، وبين الصيينين الموجودين في آسيا.
وجدوا أن الصيينين الذين يعيشون في أمريكا الشمالية وولدوا في آسيا، يعتمدون أنماطاً معيشة مختلفة عن تلك التي طبقها الصينيون الموجودون في آسيا، فالصينيون في آسيا يستهلكون وحدات حرارية أكثر مما يفعل الصينيون في أمريكا الشمالية، لكنهم يستمدون نسبة ضئيلة من وحداتهم الحرارية من الدهون مما يفضي إلى وزن أقل وجسم نحيل، وفي الواقع يرتكز غذاؤهم مبدئياً على النباتات ويحصلون على 30٪ من البروتنات من مصادر غير حيوانية.
كما أنهم ينفقون المزيد من الوقت في ممارسة نشاطات حيوية مثل: الركوب على الدراجات الهوائية، والمشي، ويخصصون وقتاً للجلوس أقل مما يفعل الصينيون في أمريكا الشمالية؛ هؤلاء الذين ازدادت ساعات جلوسهم، ويعتمدون على النظام الغذائي الأمريكي كلما مضى وقت أطول على وجودهم نتيجة ذلك تزداد عندهم حالات زيادة الوزن والسُمنة.
إن عامل التغير الاجتماعي والاقتصادي الذي يمر به المجتمع اليوم يُعد عاملاً آخر مهماً في زيادة الوزن والسُمنة، فالتطور التقني الذي حدث في وسائل الاتصالات والنقل، وتجهيز الوجبات السريعة وغيرها في المجتمع الحديث، جعل الفرد يعتمد عليها كثيراً في حياته اليومية، وعلى سبيل المثال مشاهدة التلفاز واستخدام الإنترنت لساعات طويلة والإسراف في تناول الوجبات السريعة المشبعة بالدهون، كل ذلك ساعد على حياة بدنية خاملة وغير صحية؛ نتج عنها الكثير من الأمراض المرتبطة بنمط الحياة المعاصرة.
وقد يكون السبب في ذلك الإعلانات التجارية التسويقية التي يمارسها أصحاب تلك السلع والمنتجات سواءً كانت في الأجهزة أو الأغذية غير الصَّحية المشبعة بالدهون؛ مما جعل الكثير من الناس يقبل عليها، وبطريقة غير واعية للآثار الصحية الناجمة عنها على المستوى القريب والبعيد على حد سواء.
ولاشك أن تعديل السلوك وتغيير أسلوب الحياة يشكلان حجر الزاوية في تعزيز الصحة في المجتمع، وهما نتاج البيئة الاجتماعية التي يعيش الناس فيها، ومن الصعب تغييرهما في معزل عنها، بل من المؤكد أنه لو لم تكن البيئة الاجتماعية هي التي تحدد سلوك الأفراد ونمط حياتهم، لكان من المفترض ألا يكون هناك درجة ميل للطبقات الاجتماعية إلى ممارسة نشاط بدني معين أو تناول أغذية محددة دون غيرها.
أخيراً، بالرغم من الجهود المبذولة من قبل المنظمات والهيئات الدولية والمحلية الحكومية منها والأهلية خلال السنوات الطويلة الماضية في سن الكثير من السياسات والاستراتيجيات للحد من ظاهرة السُمنة في المجتمع؛ إلا أن معدلاتها في تصاعد مستمر.
وللحديث بقية إن شاء الله تعالى، وإلى اللقاء.
د. علي بن أحمد السالم
المدينة الطبية الجامعية
إضافة تعليق جديد