الإسكان الميسر.. المفهوم وموجهات التصميم

مرّ مفهوم الإسكان الميسر بالعديد من المراحل والتطورات بسبب بروز العديد من وجهات النظر الجديدة حول هذا الموضوع لأهميتة البالغة لجميع أفراد المجتمع، وقد ارتكز هذا المفهوم لفترة طويلة من الزمن على أساس قيمة التملك الأولية للمسكن، وذلك عن طريق احتساب نسبة الإنفاق على السكن من إجمالي دخل الأسرة، واعتبر أن إنفاق أكثر من 30% من دخل الأسرة يجعل المسكن غير ميسر، واعتبرت هذه النسبة الأساس للحكم على مستوى التيسير في الإسكان.

تعرضت وجهة النظر هذه للنقد من عدد من الباحثين بسبب تغاضيها وعجزها عن قياس جوانب أخرى مثل: موقع وجودة المسكن، وتوفير خدمات البنية التحتية، الأمن والأمان، وتلبية المتطلبات الوظيفية، ومن المشاهدات التي دعمت وجهة النظر الناقدة أن المساكن والأحياء السكنية التي تفتقر للبنية التحتية الجيدة، أو نقص في فرص العمل، وفقر في الخدمات العامة، وارتفاع في معدلات الجريمة تكون عرضة لهجر الساكنين وغير مرغوبة من قبلهم، في حين أنها تعتبر ميسرة من منظور نسبة الإنفاق على المسكن إلى دخل الأسرة.

واستناداً إلى ذلك قام العديد من الباحثين بدراسات للوصول إلى طريقة أكثر اتزاناً لتقييم العديد من الجوانب المتعلقة بالسكن، وليس التركيز فقط على نسبة الإنفاق على المسكن إلى دخل الأسرة، وصنفت هذه الجوانب تحت ثلاثية تلبية الاحتياج وخفض التكلفة ورفع الجودة.

من ذلك نستنتج أن التيسير في الإسكان قد خرج من تعريفه القديم المنطوي على نسبة تكلفة تملك المسكن فقط، والتي لا تتعدى 30% من دخل رب الأسرة، إلى نواحٍ أكثر شمولاً فرضها المستخدمون، وبات ينطوي على العديد من القضايا ذات الاهتمام بالنسبة للساكنين والتي تشمل جوانب اقتصادية وبيئية وثقافية واجتماعية وخدمية تكفل الحياة الكريمة والصحية للساكنين.

ومن أجل الوصول إلى تلخيص لأهم الجوانب المؤثرة في تيسير المسكن نستطيع أن نستعرض بعض الموجهات ذات العلاقة، والتي تضمن جودة المسكن وبقاء تكلفته ضمن القدرة الشرائية للمواطنين وتلبية المتطلبات الوظيفية للساكنين، سواء الموجهات المتعلقة بدراسات ما قبل التصميم، أو الموجهات التصميمية للمسكن، أو الموجهات ذات العلاقة بالتوافق مع المتطلبات الاجتماعية والثقافية.

أولاً: الموجهات المتعلقة بجانب دراسات ما قبل التصميم، تتلخص في أربعة معايير هي: اختيار المواد على أساس دراسة تكلفة دورة الحياة، وتطبيق مبادئ الهندسة القيمية، والتقويم المالي للمشروع، والبرمجة المعمارية لتصميم المسكن.

ثانياً: الموجهات التصميمية للمسكن، تتلخص في عشرة معايير هي: ترشيد المساحة وكفاءة استخدام الأرض، ترشيد مكونات المسكن وتعدد وظائف الفراغ الواحد، والاستفادة من الفراغات الخارجية في المسكن، اختيار أسلوب التشييد الفعال ومواد الإنهاءات المناسبة، العناية بجودة المساكن الميسرة، القبول الاجتماعي لتصميم المساكن الميسرة، مرونة التصميم لاستيعاب المتغيرات المستقبلية، استخدام النظام المديولي في التصميمات المعيارية.

ثالثاً: الموجهات التصميمية للتوافق مع المتطلبات الاجتماعية، تتلخص في عدة معايير هي: إشراك المجتمع المحلي في التصميم، ومراعاة توافق نوع وجودة المساكن المطورة مع المتطلبات – الرغبات الاجتماعية، والأمن والسلامة.

رابعاً: الموجهات التصميمية للتوافق مع الهوية الثقافية، وتتلخص هذه الموجهات في معيارين هما: تطبيق مبادئ الخصوصية، والحفاظ على الهوية المحلية للمنطقة.

وأخيراً تعمل معايير موجهات التصميم الميسر للمسكن على جعله في متناول ذوي الدخل المتوسط والمنخفض، وذلك عن طريق ترشيد مساحة المسكن وكفاءة استخدام الأرض، والوصول إلى أقل الأبعاد الممكنة للفراغات والعناصر الداخلية الملائمة لاحتياجات الساكنين، لتجنب الزيادة في المساحات والمساحات الهالكة أو المهدرة المؤدية إلى زيادة حجم المسكن ومن ثم الزيادة في تكلفة الإنشاء وتكلفة الحيازة.

إضافة إلى أن تطبيق هذه المعايير يؤدي إلى توفير مسكن بأداء وظيفي عالٍ، وبتكلفة إنشاء منخفضة، حيث يمكن العمل على تطوير وتصميم بعض الفراغات لتكون مناسبة لممارسة أكثر من نشاط وتصبح فراغات متعددة الوظائف، كما يؤدي تطبيقها إلى توظيف الفراغات الخارجية وأخذها في الحسبان عند عملية التصميم، بوصفها امتداداً طبيعياً للمسكن، وهو ما يساعد على تلبية المتطلبات والاحتياجات الوظيفية للساكنين، دون الحاجة إلى مساحة مبنية إضافية، ومن ثم التقليل من التكلفة المباشرة لإنشاء المسكن.

إن استخدام النظام المديولي في عملية التصميم المعماري والإنشائي يؤدي إلى وضوح التصميم وبساطته، كما يحكم كل عناصره، ويسيطر على الأبعاد الكلية والجزئية، ويعمل على معايرة المكونات الأساسية وجعلها ذات أبعاد قياسية مثل الأبواب والنوافذ وحتى التشطيبات النهائية، وهو ما يقلل الهدر في المواد والمساحات، وانتظام العناصر الإنشائية وجعل التصميمات الإنشائية اقتصادية، ويسرع عملية التنفيذ، ويسهل صيانة المسكن، في حين أن الأخذ بمبدأ المرونة التصميمة للمسكن يستجيب لتطوير احتياجات الأسرة خلال مراحل حياتها.

إن المرونة في تصميم المسكن وتنفيذه وتشغيله تؤدي إلى تقليل التكلفة الأولية للمسكن أو تجزئة التكلفة الأولية على مراحل مختلفة، ومن ثم قدرة الأسر ذات الدخول المتوسطة والمنخفضة على تحمل تكاليفها على أقساط في أوقات مختلفة.

في حين تأتي معايير التوافق مع الجانب الاجتماعي والثقافي لتكمل المنظومة المعيارية بمعايير تعمل على إنتاج مساكن متوافقة مع متطلبات المجتمع، ومتوافقة مع ثقافة الساكنين واحتياجاتهم الاجتماعية، بالإضافة إلى الاحتياجات الوظيفية والمادية، حيث تحث هذه المعايير على إشراك المجتمع في عملية التصميم، ومراعاة توافق المساكن مع الرغبات الاجتماعية، وتوفير مبدأ الخصوصية للساكنين، والحفاظ على الهوية الثقافية للمجتمع، وتوفير الأمن والسلامة.

م. عصام عبدالوهاب حيدر

ماجستير الإسكان الميسر والمستدام

كلية العمارة والتخطيط

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA