الاستثمار في العقول يفيد الوطن ويحقق الأهداف

 

 

تدرك المملكة أن ثروتها الأولى التي لا تعادلها ثروة مهما بلغت، هي شعبها الطموح الذي يشكل الشباب معظمُه، كما جاء في رؤيتها لعام 2030، ولما كان نقل المعرفة وتوطينها هو أحد تطلعات تلك الرؤية، فإن الاستثمار في عقول الشباب - بحيث يكونون قادرين على تحقيق تلك التطلعات - أصبح يفوق في أهميته الاستثمار في أي مجال آخر، والتعليم والتعلم هما قواما هذا النوع من الاستثمار.

فالتعليم، وهو العملية التفاعلية التي تنتقل فيها الخبرات والمعارف والمعلومات من ذهن المعلّم إلى ذهن المتعلّم، يلعب دورًا حاسمًا في تحويل رأس المال البشري إلى رأس مال فكري قادر على استيعاب المعرفة واستخدامها، لذا نرى الدول التي تقود التقدم العلمي في العالم، تعمل على الاستثمار في عقول مواطنيها من خلال التعليم بغرض تعظيم إمكاناتهم.

وفي كل المجتمعات الحديثة يتم الحصول على المرحلة العليا من التعليم في الجامعات، بحيث أصبحت هي المصدر الرئيس لتوفير رأس المال البشري اللازم لإنتاج المعرفة واستيعابها واستخدامها، من هنا، فإن الاستثمار في بناء البيئة الأكاديمية في الجامعات أصبح يحتل أولوية متقدمة على سائر الأولويات في تلك المجتمعات.

وقد أشارت الدراسات إلى أن توفير الموارد اللازمة لإتاحة الفرصة للباحثين للمشاركة في النشاط البحثي والنشر العلمي وإتاحة برامج التأهيل والإعداد الأكاديمي والإشراف العلمي وتوفير فرص حضور اللقاءات العلمية والمؤتمرات الأكاديمية، كلها تساهم في تشكيل وإعداد العلماء الصغار وفي رفع الإنتاجية العلمية لهم، بحيث يكونون أعضاء فاعلين ومساهمين في إنتاج المعرفة وفي تأسيس مجتمع المعرفة.

أما التعلم، وهو اكتساب الأفراد للمعلومات والمعرفة من خلال السياقات الاجتماعية والمؤسسية التي يتواجدون فيها، فإنه يؤدي إلى انسياب المعلومات إلى عقول الأفراد دون أن يعرفوا بالضرورة أنهم يتعلمون؛ فقد يتعلم الفرد من الممارسة، أو من المواقف التي يتعرض لها أو يمر بها، أو من خلال طرق التعلم الذاتي، فيبني رصيدًا من المعلومات يتحول بمرور الوقت إلى رصيد ضخم من المعرفة الديناميكية التي تتجدد باستمرار.

وقد حدا ذلك بأغلب المؤسسات الكبرى إلى الاستثمار في  تعظيم قيمة تلك المعرفة في عقول الأفراد من خلال تعزيز التعلم التلقائي، وتطوير الهياكل الإدارية فيها بحيث تستوعب ممارسات التعلم، وتستوعب السياقات التفاعلية التي تؤدي إلى الابتكار، بحيث أصبح تحسين القدرة على التعلم، وعلى تعلم كيفية التعلم، هما من أهم العوامل التي تبني القدرة التنافسية، وخصوصا بعد أن بات من المسلَّم به أن أغلب الابتكارات - في المنتجات أو في المنهجيات-  تنشأ في سياق التعلم.

إن الشباب هم أعظم ما تملكه الدول من موارد، والمورد الوحيد من موارد الثروة الذي لا ينضب، والاستثمار في عقولهم بحيث يصبحون قادرين على استيعاب المعرفة واستخدامها، أضحى أفضل الاستثمارات وأكثرها جدوى في رأي كثير من الخبراء.

أ. د. جبريل بن حسن العريشي

استاذ علم المعلومات - جامعة الملك سعود

عضو مجلس الشورى السابق

arishee@ksu.edu.sa

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA