اليوم الوطني 88 .. ذكرى التوحيد والبناء

تحتفل المملكة العربية السعودية يوم 13 محرم 1440هـ الموافق 23 سبتمبر 2018م بالذكرى الثامنة والثمانين لإعلان تأسيسها على يد المغفور له بإذن الله الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، طيب الله ثراه، ففي اليوم التاسع عشر من شهر جمادى الأولى من سنة 1351هـ الموافق 23 سبتمبر 1932م، تم الإعلان عن قيام المملكة العربية السعودية بعد توحيدها وتسميتها للمرة الأولى بهذا المسمى.

وحدد يوم 23 سبتمبر من كل عام للاحتفال باليوم الوطني، ففي ذكرى هذا اليوم تعيش بلادنا فرحة يومها الذي أصبح يسكن الأعماق، فيه سيرة الملك المؤسس الذي وحد أجزاء هذه البلاد المترامية، بعد جهاد استمر اثنين وثلاثين عاماً، أرسى خلالها قواعد هذا البنيان على هدي كتاب الله الكريم وسنة رسوله الأمين صلى الله عليه وسلم، سائراً في ذلك على خطى أسلافه من آل سعود الميامين لتنشأ في ذلك اليوم دولة فتية تزهو بتطبيق شرع الله وتصدح بتعاليمه السمحة وقيمه الإنسانية في أصقاع المعمورة، وسائرة بخطى حثيثة نحو غد أفضل لها ولجميع المجتمعات البشرية.

قامت الدولة السعودية الأولى عام 1157هـ الموافق 1744م، عندما قرر الإمام محمد بن سعود رحمه الله مناصرة دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله الهادفة للعودة إلى الإسلام الصحيح، وتصحيح المعتقدات مما شابها من الشبهات والجهل. 

تعاقد الإمام محمد بن سعود والشيخ في ذلك العام على التعاون للعودة بالمجتمع في الجزيرة العربية إلى عقيدة الإسلام، كما كانت عليه في صدر الاسلام، ووفقاً لما جاء به رسول الأمة سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم، وسارا على هذا السبيل لتحقيق هذا الهدف. 

بعد ذلك تتابع جهاد آل سعود من ذات المنطلق، فلم تنطفئ جذوة الإيمان في قلوب الفئة المؤمنة بانتهاء حكم الدولة السعودية الأولى بعد زهاء أربع وسبعين عاماً بسبب التدخل الأجنبي. 

وفي عام 1240هـ/ 1824م قامت الدولة السعودية الثانية بقيام الإمام المؤسس الثاني تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود رحمه الله، الذي واصل من بعده أبناؤه نهج أسلافهم نحو ثمانية وستين عاماً حتى انتهى حكم الدولة السعودية الثانية عام 1309هـ/ 1891م، نتيجة عوامل داخلية.

وبزغ فجر يوم الخميس من شوال عام 1319هـ/ 1901م، إيذاناً بعهد جديد استعاد الموحد الباني الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود رحمه الله، مدينة الرياض، معيداً ملك آبائه وأجداده في صورة صادقة من صور البطولة والشجاعة والإقدام، فوضع- طيب الله ثراه- أولى لبنات هذا البنيان الكبير على أسس قوية هدفها تحكيم شرع الله والعمل بكتابه وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولم يفت في عضد الملك عبدالعزيز ورجاله المخلصين قلة العدد والعدة، وانطلق من الرياض بذلك الإيمان الصادق في جهاده حتى جمع الله به الصفوف وأرسى دعائم الحق والأمن والإيمان، فتوحدت أرجاء البلاد وأينعت تلك الجهود أمناً وأماناً واستقراراً، وتحول المجتمع من قبائل متناحرة إلى شعب متحد ومستقر يسير على هدي الكتاب والسنة.

وتفيأ المواطن بالأمن والأمان، وكذا الحاج والمعتمر وزائر مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، فأصبحت السبل إلى الحرمين الشريفين ميسرة، وهي الغاية التي كانت هاجس الملك عبدالعزيز بغية خدمة دين الله وخدمة المسلمين كافة.

وقد اعتمد المؤسس في علاقة المملكة وسياستها الخارجية على منهج التوجه الإسلامي القويم، فقد دعا رحمه الله إلى التعاون العربي والتضامن الإسلامي وأسهم في تأسيس جامعة الدول العربية، واشترك في عضوية الأمم المتحدة عضواً مؤسساً، كما كان له جهود مشكورة في القضية الفلسطينية فكان يؤكد على حقوق الفلسطينيين والدفاع عن قضيتهم فسخر لها دبلوماسيته المعهودة ودافع عنها في اتصالاته المستمرة مع زعماء العالم. 

وعلى المستوى الداخلي، واصل الملك عبدالعزيز جهوده في المسار التنموي نحو بناء الدولة وتكوين مؤسساتها ورسم سياستها، متخذاً كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم المصدر الأساسي الذي يقوم عليه الحكم في إدارة الدولة وإدارة أمور البلاد. 

ورحل الملك عبدالعزيز رحمه الله بعد أن أرسى منهجاً قويماً سار عليه أبناؤه من بعده لتكتمل أطر الأمن والسلام وفق المنهج والهدف نفسه المستمدين من شرع الله المطهر كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. 

وكان الملك سعود رحمه الله أول السائرين على ذلك النهج والعاملين في إطاره حتى برزت ملامح التقدم واكتملت هياكل عدد من المؤسسات والوزارات والأجهزة الأساسية في الدولة، وجاء من بعده رائد التضامن الإسلامي الملك فيصل رحمه الله فتتابعت المنجزات الخيرة وتوالت العطاءات وبدأت المملكة في عهده تنفيذ الخطط الخمسية الطموحة للتنمية. 

وتدفقت ينابيع الخير عطاءً وافراً بتسلم الملك خالد رحمه الله فتواصل البناء والنماء خدمة للوطن والمواطن بخاصة والإسلام والمسلمين بعامة واتصلت خطط التنمية بعضها ببعض لتحقيق المزيد من الرخاء والاستقرار. 

وبعد مبايعة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود رحمه الله ملكاً على البلاد، ازداد البناء الكبير عزاً ورفعة وساد عهد جديد من الخير والعطاء والنماء والإنجاز، ولعظم المسؤولية التي تقلدها جلالته، اختار الملك فهد رحمه الله أن يسمي نفسه خادم الحرمين الشريفين، وقرن اسمه بهذه الصفة الرفيعة استشعاراً بالمسؤولية للمملكة التي هي قبلة المسلمين. 

كما شهدت المملكة في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله رحمه الله مزيداً من المنجزات بعد تسلمه مقاليد الحكم عام 1426هـ/ 2005م، فقد عمت التنمية كافة مناطق البلاد في مختلف جوانب الحياة الاقتصادية والعلمية والصحية والاجتماعية والصناعة والمياه والكهرباء وتميزت تلك المنجزات بالشمولية والتكامل. 

وفي هذ العهد الزاهر عهد سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وسمو ولي العهد الأمين محمد بن سلمان تعزز دور المملكة في الشأن الإقليمي والعالمي، سياسياً واقتصادياً وتجارياً، وأصبح للمملكة دور ووجود في المحافل الدولية وفي صناعة القرار العالمي وشكلت عنصر دفع قوي للصوت العربي والإسلامي في دوائر الحوار العالمي على اختلاف منظماته وهيئاته ومؤسساته ودخلت المملكة ضمن العشرين دولة الكبرى الاقتصادية في العالم. 

وحافظت المملكة في ظل قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله على الثوابت الإسلامية واستمرت على نهج المؤسس، وشهدت الأماكن المقدسة في مكة والمدينة وبقية المشاعر خلال هذه السنوات نقله نوعية في المشاريع والخدمات التي تقدمها الدولة لضيوف الرحمن حجاج بيت الله يعجز اللسان عن وصفها فقد تابع حفظه الله أكبر توسعة للمسجد الحرام والجمرات لم يشهد مثلها التاريخ. 

وفي الختام نرفع لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ولولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولحكومته والوطن السعودي ولأهله أصدق التهاني وأجمل البريكات، وكل عام والجميع بخير.

د. سعيد بن عبدالله القحطاني

عضو هيئة تدريس بقسم التاريخ

نائب رئيس الجمعية التاريخية السعودية

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA